ورابعها : قال ابْنُ عبَّاس - رضي الله عنهما - في رواية عِكْرِمة « مَنْ قتل نَبيّاً أو إمامَ عَدْلٍ، فكأنَّما قتل النَّاسَ جَمِيعاً ومن أحْيَاها : من سَلِمَ من قتلها، فكان كمن سَلِمَ من قَتْلِ النَّاس جَمِيعاً ».
وخامسها : قال مُجَاهِد : من قتل نَفْساً محرَّمة يَصْلَى النَّار بقتلها، كما يصلاها لو قتل النَّاس جميعاً، ومَنْ أحْيَاها : من سلم من قتلها، فكان كمن سلم من قتْلِ النَّاس جَمِيعاً.
وسادسها : قال قتادة : أعْظَم اللَّه أجرَهَا وعظَّم وزرَها، معناه : من استَحَلَّ قتل مُسْلِم بغير حَقِّه، فكأنَّما قتل النَّاس جميعاً في الإثْم لا يَسْلَمُون منه، ومن أحْيَاها وتورَّع عن قَتْلِها، فكأنَّما أحْيَا النَّاس جَمِيعاً في الثَّواب لسلامتِهم منه.
وسابعها : قال الحسن : فكأنَّما قتل النَّاس جَمِيعاً، يعني : أنَّه يَجِبُ عليه من القِصَاص بِقَتْلِها، مثل الذي يجب عليه لو قتل النَّاسَ جَمِيعاً، ومن أحْيَاها، أي : عَفَا عَمَّنْ وَجَبَ عليه القِصَاص له، فَلَمْ يَقْتُلْه فكأنَّما أحيا النَّاس جَمِيعاً، قال سُليمان بن عَلِي : قلت للحَسَن : يا أبَا سَعِيد : أهِيَ لَنَا كما كانت لِبَني إسْرائيل؟ قال : والذي لا إله غيره ما كان دَمُ بَنِي إسرائيل أكرم على الله من دَمائِنا.
وإحْيَاء النَّفْس : هو تَخْلِيصُها من المُهْلِكَات كالحَرق، والغَرَقِ، والجُوعِ المُفْرط، والبرد والحرِّ المُفْرطيْن.
ثم قال :﴿ وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بالبينات ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذلك ﴾، أي : بعد مَجِيء الرُّسل وبعدما كَتَبْنَا عليهم تَحْريم القَتْل، « لمُسْرِفُون » الذي هو خَبَر « إن » ولا تَمْنَعُ من ذلك لام الابتداء فاصِلَة بين العامل ومعمُوله المتقدِّم عليه؛ لأنَّ دخولها على الخَبَر على خِلاف الأصْل؛ إذ الأصْل دُخولُها على المُبْتَدأ، [ وإنَّما منع منه دخول « إنَّ » و « ذلِكَ » إشارة إلى مجيء الرُّسُل بالبيِّنات ].


الصفحة التالية
Icon