وقرأ الحسن وابنُ مُحَيْصِن بِتَخْفِيفِهَا.
قوله تعالى « مِن خِلافٍ » في محلِّ نَصْبٍ على الحَالِ من « أيْدِيهِمْ » و « أرْجُلِهِمْ » أي :[ تقطع مختلف ] بمعنى : أن يقْطَع يَدَهُ اليُمْنَى، ورجله اليُسرى.
والنَّفي : الطَّرْد.
و « الأرض » المراد بها هاهُنَا « ما يُريدُون الإقامَة بها، أو يُراد من أرْضِهِمْ.
و » ألْ « عوض من المضاف إليه عِنْد من يَرَاهُ.
فصل
قال الضَّحَّاك : نزلت في قوم مِنْ أهْل الكتاب، كان بَيْنهم وبين رسُول الله ﷺ عَهْدٌ، فَنَقَضُوا العَهْد وقطعُوا السَّبِيل وأفْسَدوا.
وقال الكَلْبِي : نزلت في قَوْم هِلال بن عُوَيْمر، وذلك أنَّ النَّبِيَّ ﷺ واعد هلال بن عُوَيْمِر وهو أبو بُرْدَة الأسْلَمي، على ألا يُعِينَهُ ولا يُعِين عليه، ومن مرَّ بهلال بن عويمر إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - فهو آمِنٌ لا يُهَاجُ، فمرَّ قوم من بَنِي كِنَانَة يريدون الإسلام، بِنَاس من أسْلَم من قَوْم هلال بن عويمر، ولم يكن هلال شَاهِداً، فَشَدُّوا عليهم فَقَتَلُوهم وأخَذُوا أمْوالهم، فنزل جبريل بالقِصَّة.
وقال سعيد بن جبير : نزلت في نَاسٍ من عُرَيْنَة وعكل أتَوا النَّبِيَّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - وبايعوه على الإسلام وهم كَذَبة، فَبَعَثَهُم النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - إلى إبل الصَّدقةِ فارْتَدُّوا، وقتلوا الرَّاعِي واسْتَاقُوا الإبِل، فبعث النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - من رَدَّهم وأمر بِقَطْع أيديهم وأرجُلهم، وسَمْل أعْيُنِهم بمَسَامِير وكحلهم بها، وطَرحهم في الحَرِّ يَسْتَسْقُون فلا يُسْقَون حتى ماتُوا.
قال أبو قِلابَة : هؤلاء قَتَلُوا وسَرَقُوا، وحاربُوا الله ورسُولَهُ وَسَعَوْا في الأرْضِ فساداً، فنزلت هذه نَسْخاً لِفْعِل النَّبِيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - فصارت السُّنَّة مَنْسُوخة بهذا القُرْآن العظيم، ومن قال إنَّ السُّنَّة لا تُنْسَخُ بالقُرْآن قال : إنما كان النَّاسِخ لتلك السُّنَّة سُنَّة أخْرى : ونزل هذا القُرْآن العَظِيم مُطَابِقاً للسُّنَّة النَّاسخة.
وقال بعضهم : حُكُمُهم ثَابِت إلا السَّمل والمُثْلَة، وروى قتادةُ عن ابن سيرين أنَّ ذلك قَبْل أن تَنْزِل الحُدُود.
قال أبو الزَّنَاد : ولما فعل رسول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - ذلك بهم أنْزل اللَّه الحُدُود، ونَهَاهُ عن المُثْلة فلم يَعُد، وعن قتادةُ قال : بَلَغَنَا أنَّ النبي ﷺ [ بعد ذلك كان يحثّ على الصَّدَقة ويَنْهَى عن المُثْلة، وقال سليمان التَّيْمِي عن أنس : إنَّما سَمَل النبي - صلَّى الله ] عليه وعلى آله وسلَّم - أعْيُن هؤلاء؛ لأنَّهم سَمَلُوا أعْيُنَ الرُّعَاة.
وقال الليث بن سَعْد : نزلَت هذه الآيَةُ مُعَاتِبَةً لِرسُول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - وتَعْلِيماً له عُقُوبَتهم وقال : إنَّما جَزَاؤهم لا المُثْلَة، ولذلك ما قَامَ النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - خَطِيباً إلا نَهَى عن المُثْلَة.