فصل لماذا بدأ الله بالسارق في الآية؟


قال القرطبيّ : بَدَأ الله بالسارقِ في هذه الآيةِ قَبْلَ السَّارقةِ، وفي الزِّنَا بدأ بالزانيةِ، والحكمةُ في ذلك أنْ يُقالَ : لما كان حُبُّ المالِ على الرجالِ أغلبُ، وشهوةُ الاستمتاعِ على النساءِ أغْلَبُ بدأ بهما في الموضعين.
قوله تعالى :« جَزَاءً » فيه أرْبعةُ أوجُهٍ :
أحدُها : أنه منصوب على المصدر بفعلٍ مُقدَّرٍ، أيْ : جازُوهما جزاء.
الثاني : أنَّهُ مصدرٌ [ أيضاً ] لكنه منصوبٌ على معنى نوعِ المصدرِ؛ لأنَّ قوله :« فاقْطَعُوا » في قُوَّةِ : جَازُوهما بقطع الأيْدِي جَزَاءً.
الثالث : أنَّه منصوبٌ على الحالِ، وهذه الحال يحتملُ أن تكونَ من الفاعل، أي : مجازين لهما بالقطع بسبب كسبهما، وأنْ تكون من المضافِ إليه في « أيْدِيَهُمَا »، أي : في حال كونهما مُجَازَيْن، وجاز مجيء الحال من المضاف إليه، لأنَّ المضاف جُزْؤهُ، كقوله :﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ﴾ [ الحجر : ٤٧ ].
الرابع : أنَّهُ [ مفعولٌ ] مِنْ أجْلِهِ، أيْ : لأجْلِ الجزاءِ، وشروطُ النصب موجودة.
و « نَكَالاً » منصوبٌ كما نُصِب « جَزَاءً » ولم يذكر الزمخْشريُّ فيهما غيرَ المفعولِ مِنْ أجْلِهِ.
قال أبُو حيان :« تبع في ذلك الزَّجَّاج »، ثم قال :« وليس بجيِّدٍ إلاَّ إذا كان الجزاءُ هو النَّكالَ، فيكون ذلك على طريقِ البدلِ، وأمّا إذا كانا مُتَبَاينين، فلا يجوزُ ذلك إلا بوَسَاطَةِ حَرْفِ العطفِ ».
قال شهابُ الدِّين : النَّّكالُ : نَوْعٌ من الجزاء فهو بدلٌ منه، على أنّ الذي يَنْبغي أن يُقَال هنا إنَّ « جَزَاءٌ » مفعول من أجله، العامل فيه « فاقْطَعُوا »، فالجزاءُ عِلةٌ للأمر بالقطع، و « نَكَالاً » مفعولٌ مِن أجْله أيضاً العامل فيه « جَزَاءً »، والنَّكَالُ عِلّةٌ للجزاءِ، فتكون العلةُ مُعَلَّلةً بِشَيْءٍ آخرٍ، فتكون كالحال المتداخِلَةِ، كما تقول :« ضربتُه تَأدِيباً له إحْسَاناً إلَيْه »، فالتأدِيبُ علَّة للضرب، والإحسانُ علة للتأديب، وكلامُ الزمخشريِّ والزَّجاج لا يُنَافِي ما ذكرنا فإنَّه لا منافاة بين هذا وبين قولهما :« جزاءً » مفعولٌ مِنْ أجلْه، وكذلك « نَكَالاً » فتأمّله، فإنه وجه حسنٌ، فطاح الاعتراض على الزمخشري والزَّجَّاج، والتفصيلُ المذكورُ في قوله :« إلا إذا كان الجزاءُ هو النَّكَالَ »، ثم ظفرتُ بعد ذلك بأنه يجوز في المفعول له


الصفحة التالية
Icon