وإذا سَرَقَ من مالٍ فيه شُبْهَةٌ، كالعبدِ المسروقِ في مالِ سَيِّده، والولدِ من مال والدِهِ، والوالدِ من مالِ ولدِهِ، وأحدِ الشريكيْنِ من مالِ المشتركِ لا قَطْعَ عليه.

فصل فيما إذا اشترك جماعة في سرقة


إذا اشترك جماعةٌ في سرقَة نصابٍ مِنْ حِرْزٍ، فلا يَخْلُو : إمَّا أنَّ بعضهم يَقْدِرُ على إخراجه أوْ لا يَقْدِرُ إلا بمعاونِتِهم، فإنْ كان الأول فَقِيل : يُقْطَعُ، وقيل : لا يُقطعُ، وهو قولُ أبِي حَنيفَةَ والشافعي، فإذا نَقَبَ واحدٌ الحِرْزَ وأخَذَ الآخرُ، فإنْ كانَ انفردَ كل واحدٍ بِفعلِهِ دُونَ اتفاقٍ منهما، فلا قطْع على واحدٍ منهما، وإنْ تفاوتَا في النَّقْبِ وانفردَ أحدهما بالإخراجِ خاصةً، فإنْ دخل أحدُهما وأخرجَ المتاعَ إلى باب الحرْزِ فأدخل الآخرُ يدَهُ فأخذه، فعليه القطعُ ويُعاقبُ الأولُ، وقيل : يُقْطعانِ وإنْ وضعه خارج الحِرْز فعليه القطعُ لا على الآخذِ.

فصل في حكم النبّاش


والقبرُ والمسجدُ حِرْزٌ فَيُقْطَعُ النَّباشُ عند الجمهور، وقال أبُو حنيفةَ : لا يقطعُ؛ لأنَّه سرق مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ مالاً مُعَرَّضاً لِلتَّلفِ لا مالِكَ لَهُ؛ لأنَّ الميِّتَ لا يملِكُ.

فصل


قال الشافعي :- رضي الله عنه - لِلْمَوْلى إقَامةُ الحدِّ على ممَالِيكِه، وقال أبُو حنيفة - رضي الله عنه - : لا يَمْلِكُ ذلكَ.

فصل في وجوب نصب إمام


احْتَجُّوا بهذه الآيةِ على أنَّهُ يجبُ على الأمَّة أن يُنَصِّبوا لأنفسهم إماماً مُعَيَّناً، لأنَّهُ تعالى أوْجبَ بهذه الآيَة إقامَةَ الحدِّ على السُّرَّاق والزُّنَاةِ فلا بُدَّ مِنْ شَخْصٍ يكُونُ مُخَاطَباً بهذا الخطابِ، وأجْمعتِ الأمةُ على أنَّه ليسَ لآحادِ الرعيَّةِ إقامةُ الحدودِ على الأحْرارِ الجُنَاةِ إلاَّ الإمامَ، فلمَّا كان هذا تَكْلِيفاً جازِماً، ولا يمكنُ الخروجُ مِنْ عُهْدَتِه، إلا بِوُجودِ وجبَ نَصْبُهُ؛ لأنَّ ما لا يَأتي الواجبُ إلا به، وكانَ مقدوراً للمُكلَّفِ فهو واجبٌ.

فصل


قالتِ المعتزلةُ : قوله تعالى :﴿ جَزَآءً بِمَا كَسَبَا ﴾ يَدُلُّ على تَعْلِيلِ أحْكامِ الله تعالى؛ لأنَّه صَريحٌ في أنَّ القطعَ إنَّما وجبَ مُعَلّلاً بالسرقَةِ.
وجوابُهُ ما تقدمَ في قوله ﴿ مِنْ أَجْلِ ذلك كَتَبْنَا ﴾ [ المائدة : ٣٢ ].
قوله تعالى ﴿ والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ والمعنى : عَزيزٌ في انْتِقامِهِ، حكِيمٌ في شرائِعِهِ وتكالِيفِه، قال الأصْمَعِيُّ : كنتُ أقرأُ سورةَ المائدة ومعي أعرابيٌّ. فقرأتُ هذه الآيَةَ فقلْتُ : واللَّه غفورٌ رحيمٌ، سَهْواً فقال الأعرابيُّ : كلامُ من هذا، فقلتُ : كلامُ الله، فقال : أعِدْ، فأعَدْتُ : والله غفور رحيمٌ ثُمَّ تَنَبَّهْتُ فقلتُ :« والله عزيزٌ حكيمٌ » فقال : الآنَ أصَبْتَ.
قُلْتُ : كيف عرفتَ؟ فقال : يا هذا، عَزَّ فحكم فأمر بالقطْعِ، فلَوْ غَفر ورحِمَ لما أمر بالقَطْعِ.
قوله تعالى :﴿ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ ﴾ الجارُّ [ والمجرور في قوله :﴿ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ ﴾ ] متعلِّقُ ب « تاب » و « ظُلْم » مصدرٌ مضافٌ إلى فاعله، أيْ : مِنْ بعد أنْ ظلمَ غَيْرَهُ بأخْذِ ماله.
وأجاز بعضُهم أنْ يكونَ مُضافاً للمفعولِ، أيْ : مِنْ بعد أنْ ظلم نَفْسَهُ، وفي جوازِ هذا نَظَرٌ؛ إذْ يصيرُ التقديرُ : مِنْ بَعْد أنْ ظلمه، ولو صرَّحَ بهذا الأصل لم يجز؛ لأنَّهُ يؤدِّي إلى تَعَدِّي فعل المضمرِ إلى ضَمِيره المتصلِ، وذلك لا يجوزُ إلا في بابِ :« ظَنّ وفَقَدَ وعدِمَ »، كذلك قاله أبُو حيان.


الصفحة التالية
Icon