والوجه الثاني من توجيه الفارسيّ : أن تكون « الواو » عاطفة جملة اسمية على الجملة من قوله :﴿ أن النفس بالنفس ﴾. [ لكن من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، فإن معنى ﴿ كتبنا عليهم أن النفس بالنفس ﴾ قلنا لهم : إن النفس بالنفس ] فالجمل مندرجة تحت الكتب من حيث المعنى لا من حيث اللفظ.
وقال ابن عطية :« ويحتمل أن تكون » الواو « عاطفة على المعنى » وذكر ما تقدم، ثم قال : ومثله لما كان المعنى في قوله تعالى :﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ ﴾ [ الصافات : ٤٥ ] يُمْنَحُون عطف « وحوراً عيناً » عليه، فنظَّر هذه الآية بتلك لاشتراكهما في النظر إلى المعنى، دون اللفظ وهو حَسَنٌ.
قال أبو حيان : وهذا من العطف على التوهم؛ إذ توهم في قوله :﴿ أنَّ النفس بالنفس ﴾ : النفسُ بالنفسِ، وضعَّفه بأن العطف على التوهم لا ينقاس.
والزمخشري نحا إلى هذا المعنى، ولكنه عبَّر بعبارة أخرى فقال :[ الرفع للعطف ] على محلِّ « أن النفس » ؛ لأن المعنى :« وكتبنا عليهم النفسُ بالنفسِ »، إما لإجراء « كتبنا » « مجرى » قلنا، وإما أن معنى الجملة التي هي « النفس بالنفس » مما يقع عليه الكَتْبُ، كما تقع عليه القراءة تقول : كتبتُ : الحمدُ لله وقرأت : سُورةٌ أنزلناها، ولذلك قال الزَّجَّاج :« لو قرئ إن النفس بالنفس بالكسر لكان صحيحاً ».
قال أبو حيان : هذا الوجْهُ الثاني من توجيه أبي عليٍّ، إلا أنه خرج عن المصطلح، حيث جعله من العطف على المحل وليس منه، لأن العطف على المحلِّ هو العطف على الموضعِ، وهو محصور ليس هذا منه، ألا ترى أنا لا نقول :﴿ أن النفس بالنفس ﴾ في محل رفع؛ لأن طالبه مفقود، بل « أن » وما في حيِّزهَا بتأويل مصدر لفظه وموضعه نَصبٌ؛ إذ التقدير :« كتبنا عليهم أخذ النفس »، قال شهاب الدين : والزمخشري لم يَعْنِ أن « أن » وما في حيِّزهَا في محل رفع، فعطف عليها المرفوع حتى يلزمه أبو حيان بأن لفظها ومحلَّها نصب، إنما عَنى أن اسمها محلُّه الرفع قبل دخولها، فراعَى العطف عليه كما راعاه في اسم « إن » المكسورة وهذا الرد ليس لأبي حيّان، بل سبقه إليه أبو البقاء، فأخذه منه.
قال أبو البقاء :« ولا يجوز أن يكون معطوفاً على » أنّ « وما عملت فيه في موضع نصب » انتهى.
وليس بشيء لما تقدم.
قال أبو شامة : فمعنى الحديث : قلنا لهم : النَّفْسُ بالنفسُ، فحمل « العين بالعين » على هذا، لأنَّ « أنَّ » لو حذفت لاستقام المعنى بحذفها كما استقام بثبوتها، وتكون « النفس » مرفوعة، فصارت « أن » هنا ك « إن » المكسورة في أن حذفها لا يُخلُّ بالجملة، فجاز العَطْفُ على محل اسمها، كما يجوز على محلِّ اسم المكسورة، وقد حُمِلَ على ذلك :


الصفحة التالية