قوله تعالى :﴿ وَلْيَحْكُمْ ﴾ قرأ الجمهور بسكون « اللام » وجزم الفعل بعدها على أنها لام الأمر سُكِّنَتْ تشبيهاً ب « كَتْف » وإن كان أصلها الكسر، وقد قرأ بعضهم بهذا الأصل.
وقرأ حمزة والأعمش، بكسرها ونصب الفعل بعدها، جعلها لام « كي »، فنصب الفعل بعدها بإضمار « أن » على ما تقرر غير مَرّة، فعلى قراءة الجمهور والشاذ تكون جملة مستأنفة.
وعلى قراءة حمزة يجوز أن تتعلق « اللام » ب « آتينا »، أو ب « قفَّيْنَا » إن جعلنا « هدى وموعظة » مفعولاً لهما، أي : قَفَّينا للهدى والموعظة وللحكم، أو آتيناه الهدى والموعظة والحكم، وإن جَعَلْنَاهما حالين معطوفين على « مصدقاً » تعلَّق « وليحكم » في قراءته بمحذوف دلَّ عليه اللفظ، كأنه قيل :« وللحكم آتيناه ذلك ».
قال الزمخشري : فإن قلت : فإن نظمت « هدى وموعظة » في سِلْكِ « مصدقاً » فما تصنع بقوله :« وليحكم » ؟
قال شهاب الدين : أصنعُ به ما صنعت ب « هدى وموعظة » حيث جعلتهما مفعولاً لهما فأقدِّر :« وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله آتيناه إياه ».
وقال ابن عطية قريباً من الوجه الأول، أعني كون « وليحكم » مفعولاً له عطفاً على « هدى » والعامل « آتيناه » الملفوظ به، فإنه قال : وآتيناه الإنجيل ليتضمن الهدى والنور والتصديق، وليحكم أهل الإنجيل.
قال أبو حيان : فعطف « وليحكم » على توهّم علةٍ، ولذلك قال :« ليتضمن » وذكر أبو حيان قول الزمخشري السَّابق، وجعله أقرب إلى الصواب من قول ابن عطية.
قال : لأنَّ الهدى الأول، والنور والتصديق لم يؤت بها على أنها علّة، إنما جيء بقوله :﴿ فيه هدى ونور ﴾ على معنى كائناً فيه ذلك ومصدقاً، وهذا معنى الحَالِ، والحالُ لا تكون علةً، فقوله :« ليتضمَّن كَيْتَ وكَيْتَ وليحكم » بعيد.
واختلف المفسرون في هذه الخواتم الثلاثة أعني : الكافرون الظالمون الفاسقون.
فقال القفال : صفات لموصوف واحد، وليس في إفراد كل واحد من هذه الثلاثة باللفظ ما يوجب القدح في المعنى، بل كما يقال : مَنْ أطاعَ اللَّهَ فَهُوَ البَرُّ، ومن أطاعَ الله فهو المؤمنُ، ومن أطاعَ الله فهو المُتَّقِي؛ لأنَّ كُلَّ ذلك صفاتٌ مُخْتَلِفَةٌ حاصِلةٌ لموْصُوفٍ واحدٍ وقال آخرون : الأوَّلُ في الْجَاحِدِ، والثاني والثالث : في المُقِرِّ التاركِ، وقال الأصم : الأوَّلُ والثاني في اليهُودِ، والثالثُ في النَّصارى.
وقال الشَّعْبِيُّ : الأولى في المسلمين والثانيةُ في اليهودِ، والثالثةُ : في النصارى، لأنَّ قبلَ الأولى « فإنْ جَاءُوك فاحْكُم »، و « كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ »، و « يَحْكُمُ بها النَّبِيُّونَ » وَقَبْلَ الثانيةِ « وَكَتَبْنَا عَلَيْهِم » وهم اليهودُ، وقَبل الثَّالِثَةِ « وَلْيَحكُمْ أهْلُ الإنجِيلِ » وهمُ النَّصارى، فكأنَّه خَصَّ كُلَّ واحدةٍ بما يليه وهذا أحْسَنُهَا.


الصفحة التالية
Icon