الثاني : أن الصَّحابة - ر ضي الله عنهم- متى شَتَمُوا الأصْنَام، فهم كَانُوا يَشْتُمون الرَّسُول - ﷺ - فاللَّه - تعالى - أجْرَى شَتْم الرَّسُول مَجْرىللَّه - تعالى -؛ كقوله :﴿ إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ ﴾ [ الفتح : ١٠ ] وكقوله :﴿ إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ ﴾ [ الأحزاب : ٥٧ ].
الثالث : أنه رُبَّما كان في جُهَالِهم، مَنْ كان يَعْتَقِد أنَّ شَيْطَانَاً يَحْمِلُه على ادِّعاء النُّبُوة والرٍّسالة، ثُمَّ إنَّه لجَهْلِه، كان يُسَمَّى ذلك الشَّيْطان بأنه إله محمَّد، فكان يَشْتم إله محمَّد بناءً على هذا التَّأويل.
وقال قتادة : كان المُسْلِمُون يسُبُّون أصْنَام الكُفَّار، فَنهَاهم اللَّه - تعالى - عن ذَلِك؛ لِئَلاَّ يَسُبُّوا اللَّه، فإنهم جَهَلة.
فإن قيل : شَتْم الأصنام من أصُول الطَّاعات، فكَيْفَ يَحْسُن أن يَنْهَى عَنْه.
فالجوابُ : أن هذا الشَّتم وإن كان طَاعَةً، إلاَّ أنَّه إذا وَقَع على وَجْه يستَلْزِم وجُودَ منكر عَظِيم، وجب الاحْتِرَاز مِنْه، والأمر هَهُنا كذلك؛ لأنَّ هذا الشتْم كان يَسْتَلِزم إقْدامهم على شَتْم اللَّه، وشَتْم رَسُوله، وعلى فَتْح باب السَّفاهة، وعلى تَنْفِيرهم عن قُبُول الدِّين، وإدْخَال الغَيْظ والغَضَب في قلوبهم، فَلِهذه المُنْكشرات وقع النَّهْي عنه.
قوله :﴿ مِنْ دُونِ اللَّه ﴾ يجُوز أن يتعلَّق ب « يَدْعُونَ » وأن يتعلَّق بمحذُوفِ على أنَّه حالٌ : إمَّا من الموصُول، وإمَّا من عَائِدِه المَحْذُوف، أي : يَدْعُونهم حَالَ كونهم مستَقِرِّين من دُونِ اللَّه.
قوله :« فَيَسُبُّوا » الظَّاهر أنه مَنْصُوب على جواب النَّهي بإضمار أنْ بعد الفَاءِ، أي :« لا تَسُبُّوا آلهتَهُم، فقد يترتَّبُ عليه مَا يَكْرَهُون مِنْ سَبِّ اللَّه »، ويجُوز أن يكُون مَجْزُوماً نسقاً على فِعْل النَّهْي قَبْلَه؛ كَقَوْلِهم :« لاتَمْدُدْها، فتشُقَّها » وجَازَ وُقُوع « الَّذِين » - وإن كان مُخْتَصًّا بالعُقلاء - على الأصْنَام الَّتِي لا تَعِقْلُ، معاملة لها مُعامَلة العُقلاء؛ كما أوْقَع عليْها « مِنْ » في قوله :﴿ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ ﴾ [ النحل : ١٧ ].
قال شهاب الدِّين : وفيه نَظَر؛ لأنَّ « الَّذِي » و « الَّتِي » وسائِر المَوْصُولات ما عَدَا « مَنْ » فإنَّها تدخل على العُقَلاء وغيرهم، تقول : أنت الرُّجُل الَّذِي قَام، ورَأيْت الفَرَس الَّذِي اشْتَرَيته، قال : ويَجُوز أن يَكُون ذَلِك للتَّغُلِيب، لأن المَعْبُود مِن دُون اللَّه عُقلاء؛ ك « المَسِيح » و « عُزَيْر » و « المَلاَئِكَة » وغيرهم، [ فغلَّب ] العَاقِل، وهذا بَعِيدٌ؛ لأنَّ المُسْلِمين لا يسبّون هؤلاء ويَجُوز أنْ يُرَاد بالَّذين يَدْعُون : المُشْرِكين، أي : لا تَسُبُّوا الكَفَرة الَّذِين يَدْعون غَيْر اللَّه من دُون الله، وهو وَجْهٌ وَاضِح.
قوله :« عَدْواً » الجُمْهُور على فَتْح العَيْن، وسُكون الدَّال، وتَخْفِيف الواوِ ونصبه من ثلاثة أوْجُه :
أحدها : أنه مَنْصُوب على المَصْدَر؛ لأنَّه نوع من العَامِل فِيهِ، لأنَّ السَّبَّ من جِنْس العَدْو.
والثاني : أنَّه مَفْعُول من أجْلِه، أي : لأجْل العَدْو، وظاهر كلام الزَّجَّاج : أنه خَلَط القَوْلَين، فجَعَلهُمَا قَوْلاً واحداً، فإنه قال :« وعَدْواً » مَنْصُوب على المَصْدر؛ لأن المعنى فَتَعْدُوا عَدْواً.