وقال الكَعْبِيَ : إنَّه - تعالى - زيَّن لَهُم ما يَنْبَغِي أن يَعْمَلُوا، وهم لا يَنْتَهُون.
الثاني : قال الآخَرُون : زينَّا لكُلِّ أمَّة من أمم الكفار سوء عَمَلهم، أي : جَعَلْنَاهم وشَأنهم، وأمْهَلْنَا حتى حَسُن عِندهم سُوءُ عَمَلِهِم.
الثالث : أمْهَلنا الشَّيطان حتى زيَّن لَهُم.
الرابع : زيَّناه في زَعْمِهِم، وهذه وجوهٌ ضَعِيفَة؛ لأن الدليل العَقْلي [ القَاطِع ] دل على صِحَّةِ ما أشْعَر به ظَاهِر النَّصِّ؛ لأنَّا بينَّا أن صدُور الفَعْل عن العَبْد، يتوقُّفُ على حُصُول الدَّاعي، وأن تِلْك الدَّاعية لا بدَّ وأن تكُون بِتَخْلِيق اللَّه - تعالى -، ولا مَعْنى لِتِلْك الدَّاعية إلا عَمَله واعتِقَاده، أو ظَنّه باشْتِمَال ذَلِك الفِعْلِ على نَفْع زَائِد، ومَصْلَحة راجِحَة، وإذَا كانت تلك الدَّاعية حَصَلتْ بفِعْل اللَّه - تعالى -، امتنع أن يَصْدُر عن العَبْد فِعْلٌ، ولا قولٌ، و حَرَكَةٌ، إلاَّ إذا زَيَّن اللَّه -تعالى - ذلك الفِعْل في قَلْبِه، وضميره، واعتِقَاده، وأيضاً، أن الإنْسَان لا يخْتَاره لاعْتِقَاد كَوْنه إيماناً، وعلماً، وصِدقاً، وحقّاً، فلولا سَابقة الجَهْل الأوَّل، لما اخْتار هذا الجَهْل الثاني : ثُمَّ إنه لما اخْتار ذلك الجَهْل السَّابع، فإن كان اخْتِيَار ذلك لسابق آخر، لَزِم أن يَسْتَمِرَّ ذلك إلى ما لا نهاية له من الجهالات، وذلك مُحال؛ فوجَبَ انتهاء تلك الجَهَالات إلى جَهْل أوَّل يَخْلُقه الله - تعالى - فيه ابْتِدَاء، وهو بِسَببِ ذلك الجَهْل ظنَّ في الكُفْر كَوْنه إيماناً، وحقاً وعلماً؛ فثبت إنه يَسْتَحِيل من الكافر اخْتِيَار الكُفْر والجَهْل، إلاَّ إذا زيَّن اللَّه- تعالى - ذلك الجَهْل في قَلْبِه؛ فثبت بِهَذَيْن البُرْهَانَيْن القَاطِعَينْ، أن الَّذي يدلُّ عليه ظَاهِر هذه الآية؛ هو الحقُّ الذي لا محيد عنه، قبطلت تأويلاتهم بأسْرها؛ لأنَّ المصير إلى التَّأويل إنَّما يكون عند تَعَذُّر حمل الكلام على ظَاهِره، وأمَّا لما قال الدَّليل على أنَّه يمكن العُدُول عن الظَّاهِر، فسقطت هذه التَّكْلِيفات، وأيضاً : فوقه :« كذلِك زَيَّنَّا لِكُلِّ أمَّةٍ عَمَلَهُم » بعد قوله :« فَيَسُبُّوا اللَّه عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ».
مشعر بِأنَّ إقْدَامهم على ذَلِك المُنْكَر إنَّما كان بِتَزْيين اللَّه تعالى، فأمَّا أنْ يُحْمَل ذلك على أنَّه -تبارك وتعالى - زيَّن الأعْمَال الصَّالحة في قُلُوب الأمَم، فكان هذا كلام مُنْقطع عما قَبْلَه، وأيضاً : فقوله :﴿ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ﴾ : يتناول الأمم الكَافِرة والمُؤمِنَة، فتَخْصيصُ هذا الكلام بالأمَّة المُؤمِنَة، ترك لِظَاهر العُمُوم.