وأمَّا على قِراءة الغَيْبَة، فتكون الهَمْزَة معها مكْسُورة؛ وهي قراءة ابْن كَثِير، وأبِي عَمْرو، وأبِي بَكْر عن عَاصِم، ومَقْتوحة؛ وهي قرءاة نافِع، والكسَائي، وحَفْص عن عَاصِم.
فعلى قِرَاءة ابْن كَثِير ومَنْ مَعَه يكون الخِطَاب في :« وما يُشْعِرُكُم » حائزاً فيه وجهان :
أحدهما : أنَّه خِطَاب للمُؤمِنين، أي :« وما يُشْعِركُم أيُّها المُؤمِنُون إيمانَهُم » ثم اسْتَأنَف إخْباراً عنهم بأنَّهم لا يُؤمِنُون، فلا تَطْمَعُوا في إيمانهم.
الثاني : أنه للكُفَّار، أي :« وما يُشْعِرُكم أيُّها المُشْرِكون مَا يَكون مِنْكم » ثم اسْتَأنف إخْبَاراً عَنْهم بِعَدَم الإيمَان؛ لعلمه السَّابق فيهم وعلى هَذَا فِفِي الكلام التِفَاتٌ من خِطَاب إلى غَيْبَة.
وعلى قرءاة نَافِع يكون الخِطَاب للكُفَّار، وتكون « أنَّ » بِمَعْنَى :« لعلَّ » كذا قاله أبو شَامَة، وغيره.
وقال أبُو حيَّان في هَذهِ القراءة :« الظَّاهر أن الخِطَاب للمُؤمنين، والمَعْنَى :» وما يُدْرِيكم أيُّهَا المُؤمِنُون، أنَّ الآية الَّتِي تَفْتَرِحُونها إذا جاءت لا يُؤمِنَون « يعني : أنا أعْلَم أنَّها إذَا جَاءَت لا يُؤمِنُون بِهَا » ثم سَاق كلام الزَّمَخْشَري بِعَيْنِه الَّذي قدَّمت ذكره عَنْه في الوَجْه الخَامِس قال :« ويبْعدُ جداً أن يكون الخِطَاب في » وَمَأ يُشْعِرُكُم للكُفَّار «.
قال شهاب الدِّين : إنَّما اسْتَبْعَدَه؛ لأنَّه لم ير في » أنَّ « هَذِه أنَّها بِمَعْنَى :» لَعَل « كما حَكيْته عَنه.
وقد جَعَل أبُو حيَّان في مَحْمُوع » أنَّها إذا جاءت لا يؤمِنُون « بالنِّسْبَة إلى كَسْر الهمزة وفَتْحِها، والخِطَاب والغَيْبة أرْبع قِرَاءَات، قال : وقرأ ابْن كثير، وأبو عَمْرو، والعُلَيْمِي، والأعْشَى عن أبي بكر.
وقال ابن عَطِيَّة : ابن كَثير، وأبو عمرو، وعَاصِم في رواية داود الأودي ] : إنَّها بكَسْر الهَمْزة، وقرأ بَاقِي السَّبْعة : بفتحها، وقرأ ابْن عَامِر وحَمْزة :» لا تُؤمِنُون « بتاء الخِطَاب، والبَاقُون بياء الغَيْبَة؛ فترتب أرْبَع قِرَاءات : الأولَى : كَسْرُ الهَمْزَة واليَاءِ، ويه قِرَاءة ابْن كَثِير، وأبي عَمْرو، وأبِي بَكْر بخلاف عَنْه في كَسْر الهَمْزَة ثم قال : القِرَاءة الثَّانية : كَسْر الهَمْزَة والتَّاء ويه رِوَاية العُلَمِي والأعْشَى عن أبي بَكْرٍ عن عَاصِم، والمُنَاسب : أن يكون الخِطَاب للكُفَّار في هذه القِرَاءة، وكأنَّه قيل :» وما يُدْرِيكُم أيُّهَا الكُفَّار وما يَكُون مِنْكُم « ؟ ثم أخْبرَهُم على جِهَة الجَزَم، أنَّهم لا يُؤمِنُون على تقدير مَجِيئها، ويَبْعُد جداً أن يكون الخِطَاب في :» وما يُشْعِرُكُم « للمُؤمنين، وفي » تُؤمِنُون « لكُفَّار، ثم ذكر القِرَاءة الثُّالِثة، والرَّابعة، ووجَّههُا بنحو ما نقلته عن النَّاس، وفي إثباته القراءة الثَّانية نظر لا يَخْفَى؛ وذلك أنَّه لما حَكَى قِرَاءة الخِطَاب في » تُؤمِنُون « لم يَحْكِها إلا عن حَمْزَة، وابن عَامِر فقط، ولم يَدْخل مَعَهُمَا أبُو بكر لا من طريق العُلَيْمِي، والأعْشى ولا من طَريق غَيْرهما، والفَرْض : أن حَمْزة وابنَ عَامِر يَفْتَحان هَمْزة » أنَّها « وأبُوا بكر يَكْسِرُها وَيفْتَحُها ولِكِنَّه لا يَقْرأ :» يُؤمِنُون « إلاَّ بِيَاء الغَيْبَة، فمن أيْن تجيئ لَنا قِرَاءةٌ بكَسْر الهَمْزة، والخطاب؟ وإنما أتَيْتُ بكلامه برُمَّتِه؛ ليُعْرَف المأخذ عليه ثم إني جوَّزْتُ أنْ تكون هذه رِيوايةً رَوَاها، فكشفتُ كِتَابَه في القِرَاءاتِ، وكان قد أفْردَ فيه فَصْلاً انْفَرد به العُلَيْمِي في رِوَايته، فلم يَذْكُر أنه قرأ :» تُؤمنُون « بالخِطاب ألبَتَّةَ، ثم كَشَفْتُ كتبا في القِرَاءات عَدِيدة، فلم أرهم ذَكَرُوا ذلك، فَعَرفْت أنَّه لما رأيى لِلْهَمْزة حالَتَيْنِ، ولحرف إحْدَاها مُهْمَلة، وقوله :» لا يؤمنون « متعلِّقه مَحْذُوف؛ للعِلْم به، أي :» لايُؤمِنُون بها «.