ويمكن أن يجاب عنه بأن الرجل المذنب الذي رآه كان في ملكوت الأرض. وعن الثانية بأنه يحمل أن يكون قد أذن في الدعاء على الأوَّل، ومنع في الثاني للاحتمال الذي ذكره في قوله :« يخرج منه نسمة تعبدني ».
وعن الثَّالث أنَّ الدعاء للأول.
وقيل : هذه الآراء كانت بعين البصيرةِ والعقل لا بالبصر؛ لأن المَلَكُوتَ عبارة عن الملك، والملك عبارة عن القُدرةِ، والقدرة إنما تعرف بالعقل.
فإن قيل : رؤية القَلْبِ على هذا حاصلة لجمعي المُوحِّدينَ؟.
فالجواب : أنهم وإن كانوا يعرفون أصل هذا الدليل إلا أن الاطِّلاعَ على آثار حِكْمَةِ الله - تعالى - في كُلِّ واحد من مَخْلُوقاتِ هذا العالم بحسب أجناسها، وأنواعها، وأشْخَاصها، وأحوالها مما لا يحصل إلاَّ لأكَابَر الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام، ولهذا كان عليه الصَّلاة والسَّلام يقول في دعائه :« اللَّهُمَّ أرِنَا الأشْيَاء كَمَا هِيَ ».
فصل في تفسير الملكوت
قال قتادةُ :« ملكوت السَّموات » : الشَّمْسُ، والقمر، والنجوم، وملكوت الأرض : الجبال، والشَّجر، والبحار.
قوله :« وليكون » فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن « الواو » زائدة، أي : نريه ليكون من المؤمنين بالله، و « اللام » متعلقة بالفعل قبلها، إلا أن زيادةَ « الواوِ » ضعيفة ولم يقل بها إلاَّ الأخْفَش ومن تابعه.
الثاني : أنها علَّة لمحذوف، وليكون اريناه إياه ذلك، والتقدير : وليكون من الموقنين برؤية مَلَكُوتِ السَّموات والأرض.
الثالث : أنها عطف على علَّةٍ محذوفة، أي : ليستدل وليكون، أو ليقيم الحُجَّة على قَوْمِهِ، واليقين : عبارة عن عِلْمِ يحصل بعد زال الشُّبْهِةِ بسبب التَّأمُّلِ، ولهذا المعنى لا يُوصَفُ علم الله بكونه يقيناً؛ لأنّ علمه غير مَسْبُوقٍ بالشبهة، وغير مُسْتَفَادٍ من الفِكْرِ والتأمل.