لما بين حِلَّ كُلِّ ما ذُبِح على اسْم اللَّه - تعالى - ذكر بعده تَحْرِيم ما لَمْ يُذْكَر اسْم اللَّه عليه، ويَدْخُل فيه المَيْتَة، وما ذُبح على ذِكْر الأصْنَام.
قال عضاء : كُل مَا لَمْ يُذْكَر اسْمُ اللَّه عليه من طعامٍ أو شرابٍ، فهو حرام؛ لعُمُوم الآية :
وقال ابنُ عبَّاسٍ : الآية الكريمة في تَحْرِيم الميتات وما فِي مَعْناها، ونُقِل عن عَطَاء الآية الكريمة، وفي تَحْرِيم الذَّبَائح الَّتي كانُوا يَذْبحونها على اسْم الأصْنَام، واخْتَلف العُلماء - رضي الله عنهم - في ذَبِيحَة المُسْلِم، إذا لَمْ يُذْكَر اسم اللَّه علَيه.
فذهب قَوْمٌ إلى تَحْرِيمها سواءً ترك التَّسْمِيةَ عامداً أوْ نَاسِياً، وهُوَ قَوْل ابن سيرين، والشَّعْبِين وأحمد في رواية، وطائفة من المُتَكَلِّمين لِظَاهر الآية الكريمة.
وذه قَوْم إلى تَحْلِيلها، يُرْوَى ذلك عن ابْن عبَّاس، وهُو قول مَالِك، والشَّافِعي، وأحْمَد في رِوَاية.
وذهب قوم إلى أنه إنْ ترك التَّسْمِية عامداً، لم يحلِّ، وإن تركها سَهْواً، أحلت، وهُو قَوْل الثَّوْري، وأصْحاب الرَّأي، ومَذْهَب أحمد.
ومن أبَاحَهَا، قال : المُرَاد من الآية الكريمة : وما ذُبِح على غَيْر اسْم اللَّه؛ لقوله :« وإن لفسق » والفسق في غَيْر ذِكْر اسْم اللَّه؛ كما قال في آخر السُّورَة العَظِيمة :﴿ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ﴾ [ الأنعام : ١٤٥ ] إلى قوله ﴿ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ الله ﴾ وأجمع المُسْلِمُون على أنَّه لا يُفَسَّق آكل ذَبيحَةِ المُسْلِم الذي ترك التَّسْمِية، وأيضاً : وقوله - تعالى :﴿ وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ﴾ وهذه المُنَاظَرَة إنَّما كانت في مَسْألة المَيْتَة على أنَّ المُشْركين قَالُوا للمسلمين : ما يَقْتله الصَّقْر والكَلْبُ تَأكُلُونَن، وما يَقْتُله الله فلا تَأكُلُونَهُ، وعن ابن عباسٍ : إنَّهم قالُوا : تأكلون ما تَقْتُلُونَه، ولا تَأكُلُون ما يَقْتُله اللَّه - تعالى-، وهذه المناظرات مَخْصُوصة بأكل المَيْتَة، وقال تبارك وتعالى- :﴿ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ وهذا مَخْصُوص بِمَا ذُبِح على اسْم النُّصُب، يعني : لو رَضِيتُم بهذه الذَّبيحة الَّتِي ذُبِحَ على اسْم الهديَّة للأوثان، فقد رَضِيتُم بإلهيَّتِها فذلك يُوجِب الشِّرْك.
قال الشَّافعي : فأوَّل الآية الكريمة، وإن كان عامَّا بحسب الصِّيغة، إلاَّ أن آخِرَها لمَّا حَصَلتْ فيه هذه القُيُود الثلاثة، علمنا أن المُرَاد من العموم : الخصوص، وعن عائشة : رضي الله عنها- قالوا يا رسول الله إن هُنَا أقْوَاماً حَدِيثٌ عَهْدهم بِشِرْكٍ يأتُونَنَا باللَّحْم، لا يُدْرَى يَذْكُرون اسْم اللَّه عليها أمْ لا، قال :« اذْكُروا أنْتم اسْم اللَّه، وكلوا » ولو كانت التَّسْمِية شَرْطاً للإبَاحَة، كان الشكُّ في وُجودها مَانِعاً كالشكَّ في أصْل الذَّبْح.
قوله :« وإنَّه لَفِسْقٌ » هذه الجُمْلَة فيها أرْبَعَة أوْجُه :
أحدها : أنَّها مُسْتأنَفة، قالوأ : ولا يَجُوز أن تكُون مَنْسُوقة على ما قَبْلَها؛ لأن الأولَى طلبيَّة، وهي خَبَرِيَّة، وتُسَمَّى هذه الواوُ، واو الاسْتِئْنَافِ.


الصفحة التالية
Icon