قوله :« وإنّ الشَّياطين ليوحون إلى أوليَائِهم » من المُشْركين لِيُخَاصِموا مُحمَّداً وأصحابه في أكْل المَيْتَ.
وقال عِكْرِمة : المراد بالشَّيَاطِين : مَرَدة المجُوس، ليُوحون إلى أوْلِيَائِهم من مُشْرِكي قُرَيْش، وذلك لأنَّه لما نزل تَحْريم المَيْتَة، سَمِعه المجُوسُ من أهْل فَارِس، فكتَبُوا إلى قُرَيش - وكانت بَيْنَهُم مُكَاتبة- أنَّ محمَّداً وأصاحابه يَزْعُمون أنَّهم يَتْبَعُون أمْ اللَّه - تعالى - ثم يَزعُمُون أن ما يَذْبَحُونه حلالاً، وما يَذْبَحُه اللَّه حرامٌ فوقع في نَفْس ناسٍ من المُسْلِمين من ذلك، فأنْزَل اللَّه هذه الآية الكَرِيمة.
قوله :« لِيُجَادِلُوكُم » متعلِّق ب « يُوحُون » أي :« يُوحُون لأجْل مُجَادَلَتِكم »، وأصْل « يُوحُون » يُوحِيُون؛ فأعِلّ.
قوله :« وإن أطَعْتُمُوهم » قيل : إنَّ التَّوْطِئة للقسم، فلذلك أجيب القسم المُقَدَّر بقوله :« إنكم لمُشْرِكُون » وحذف جواب الشَّرْط بِلَفْظِ الماضِي، وهو ههنا كذلك، وهو قوله :« وإنْ أطَعْتُمُوهُم ».
قال شهاب الدِّين : كأنه زعم : أنَّ جواب الشَّرْط هو الجُمْلَة من قوه :« إنَّكُم لَمُشْرِكُون » والأصل :« فإنكُم » بالفاء؛ لأنَّها جُمْلَة اسميَّة، ثم حُذِفَت الفاء؛ لكون فِعْل الشَّرْط بِلَفْظِ المُضِيِّ، وهذا لَيْس بِشَيء؛ فإن القَسَم مُقدَّر قَبْل الشَّرْط ويدُل على ذلك حَذْف اللاَّم المُوَطِّئَة قبل « إن » الشَّرْطية، ولَيْس فِعْل الشَّرْط مَاضِياً؛ كقوله تعالى :﴿ وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ ﴾ [ الأعراف : ٣ ] فَهَهُنَا لا يُمْكنه أن يقُول : إن الفاء مَحذُوفة؛ لأن فِعْل الشَّرْط مُضارعٌ، وكأن أبا البقاء - والله أعلم- أخذ هذا من الحُوفيِّ؛ فإني رَأيْتُه فيه كما ذَكَرَهُ أبُو البقاء، ورَدَّه أبُو حيَّان بنحو ما تقدم.
فصل في معنى الآية
والمَعْنَى : وإنْ أطعتُمُوهُم في استِحْلال المَيْتَة، إنكم لَمُشْرِكُ ن، وإنَّما سُمِّي مُشْرِكاً؛ لأنه أثْبَت حَاكِماً سِوَى اللَّه، وهذا هو الشِّرك.
وقال الزَّجَّاج : وفيه دَلِيل على أنَّ كُلَّ مَنْ أحَلَّ شيئاً مما حرَّم اللَّه، وحرَّم ما أحَلَّ اللَّه، فهو مُشْرِك.