قال المفَسِّرُون : لمَّا نزلت هذه، سُئِل رسُول الله ﷺ عن شَرْح الصًّدر، قال :« نُورٌ يَقْذِفُهُ الًّهُ - تعالى - في قَلْبِ المُؤمِن، فَيَنْشَرحُ لهُ ويَنْفِسِحُ » قيل : فَهْل لذلك أمَارَةٌ.
قال :« نَعَم، الإنَابَةُ إلى دارِ الخُلُودِ، والتَّجَافِي عن دَارِ الغُرُور، والاسْتِعْداد للموت قبل نُزُولِهِ ».
قوله :﴿ فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ ﴾ كقوله :« مَنْ يَشأ اللًّهُ يُضْلِلْه » و « مَنْ » يَجُوزُ أن تكُون مَرْفُوعة بالابتداء، وأن تكون مَنْصُوبَةً بمقدِّرٍ بَعْدَهَا على الاشْتِغَال، أي : مَنْ يُوَفِّق اللَّه يُرِدْ أن يَهْدِيَهُ، و أنْ تكون مَنْصُوبَةً بمقدِّرٍ بَعْدَهَا على الاشْتِغَال، أي : مَنْ يُوَفِّق اللَّه يُرِدْ أن يَهْدِيَهُ، و « أنْ يَهْدِيَهُ » مَفْعُول الإرادَة، والشَّرْح : البَسْطُ والسِّعَة، قاله الليث.
وقال ابن قُتَيْبَة :« هو الفَتْحُن ومنه : شَرَحْتُ اللًّحم، أي : فَتَحْتُه » وشرح الكلام : بَسَطَهَ وفتح مغْلَقَه، وهو استِعَارةٌ في المَعانِي، حَقِيقَةٌ في الأعْيَان. و « للإسْلام » أيك : لِقُبُولِهِ.
قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ﴾.
يجُوز أن يَكُون الجَعْلُ هنا بمعْنَى التَّصْيير، وأن يَكُون بمَعْنَى الخَلْقِ، وأن يكون يمعنى سَمًّى، وهذا الثًّالثُ ذهب إليه المعتزلة، كالفارسي وغيره من مُعْتَزِلَة النُّحَاةِ؛ لأن الله - تعالى - لا يُصَيِّر ولا يَخْلُق أحَداً كذا، فعلى الأوًّلِ يكون « ضَيِّقاً مَفْعُولاً ثايناً عند مَنْ شدًّدَ يَاءَهُ، وهم العَامَّة غَيْر بان كثير، وكذلك عند مَنْ خَفًّفَها سَاكنَةً، ويكون فِيهِ لُغتانِ : التًّثقيل والتَّخْفيفُ؛ كميِّت ومَيْت، وهيِّن وهَيْنن.
وقيل : المخَفًّف مصدرُ ضاقَ يَضِيقُ ضيقاً، كقوله - تعالى - ﴿ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ ﴾ [ النحل : ١٢٧ ]، يقال : ضَاقَ يضيقُ ضَيْقاً بفتح الضًّادِ وكَسْرِها.
وبالكَسْر قرأ ابن كثير في النحل والنَّمْل، فعلى جعله مصدراً يَجِيءُ فيه الأوْجُه الثلاثة في المصدرِ الواقع وَصْفاً ل »
جُثًّة «، نحو :» رجُلٌ عَدْلٌ « ويه حَذْفُ مُضَاف، والمُبَالغَة، أوْ وُقُوعه مَوْقع اسْم الفاعل، أي : يَجْعَلُ صدره ذا ضيق، أو ضَائقاً، أو نَفْس الضِّيق؛ مُبالغةً، والذي يَظْهَرُ من قارءة ابن كثير : أنه عِنْدهُ اسم صِفَةٍ مخَفًّف مِن » فَيْعل « وذلك أنَّه اسْتَغْرَب قراءَتَهُ في مَصْدَر هذا الفِعْلِ، دُون الفَتْح في سُورة النًّحْل والنًّمْل، فَلَوْ كان هذا عِنْدَهُ مَصْدَراً، لكان الظَّاهرُ في قراءته الكَسْرَ كالموضِعَيْنِ المُشَارِ إليْهما، وهذا من مَحَاسِنِ علم النَّحْو والقراءاتِ، والخلافُ الجَارِي هُنَا جارٍ في الفُرقَانِ.
قوال الكسائي :»
الضِّيِّق بالتًّشْديد في الأجْرَام، وبالتًّخْفيف في المَعَانِي «.
ووزن ضيِّق :»
فَيْعل « كميِّت وسيِّد عند جُمْهُور النَّحْويِّين ثم أدْغِم، ويجوز تَخْفِيفُه كما تقدَّم تَحْريرُه.
قال الفَارِسي :»
والياءُ الواوِ في الحَذْفِ وإن لم تَعْتَلَّ بالقَلْبِ كما اعتَلَّتِ الواوُ، اتْبعِتِ اليَاءُ الواو في هذا؛ كما أتبعت في قولهم :« أتِّسَرَ » من اليُسْر، فجُعِلَتْ بمنزلة اتَّعَدَ «.


الصفحة التالية