هذه الآية من بَقِيَّة توبيخ الكُفَّارِ يوم القيامة.
قال أهل اللُّغة : المَعْشَر كُل جماعةِ أمْرُهُم واحد، ويَحصُل بنيهم مُعَاشَرة ومُخالطة، والجَمْع : مَعَاشر.
قوله :« مِنْكُم » في محلِّ رفعٍ صلة لرسُل، فيتعلَّق بمحْذُوفٍ، وقوله :« يَقُصُّونَ » يحتمل أن يكون صِفَة ثَانِيةَ، وجاءت كذا مَجِيئاً حَسَناً، حيث تَقدَّم ما هو قَرِيبٌ من المُفْرَد على الجُمْلَة، ويحْتَمل أن يكُون في مَحَلِّ نصب على الحالِ، وفي صَاحِبها وجهان :
أحدهما : هو رُسُل وجَازَ ذَلِك وإن كان نَكِرَة؛ لتخَصُّصِه بالوَصْفِ.
والثاني : أنه الضَّمير المسْتَتِر في « مِنْكُم » وقوله :« رُسُلٌ مِنْكم » زعم الفرَّاء : أن في هذه الآيَةِ حَذْف مُضَافٍ، أي :« ألم يَأتِكُم رُسُلٌ من أحَدِكم، يعني : من جِنْس الإنْس » قال : كقوله- تعالى- :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ﴾ [ الرحمن : ٢٢ ]، وإنما يَخْرُجَان من المِلْح ﴿ وَجَعَلَ القمر فِيهِنَّ نُوراً ﴾ [ نوح : ١٦ ] وإنما هو في بَعْضِها، فالتَّقدير : يَخْرُجُ من أحدهما، وجعل القمر في إحْدَاهُنَّ فحذف للعِلْم به، وإنما احْتَاج الفرَّاء إلى ذلك؛ لأن الرُّسُل عنده مُخْتَصَّة بالإنْسِ، يعني : أنه لم يعْتَقِد أنَّ اللَّه أرْسَل للجِنِّ رَسَولاً مِنْهُم، بل إنما أرْسَل إليهم الإنْس، كما يُرْوَى في التَّفْسيرن وعلي قَامَ الإجْمَاع أن النَّبِي محمداً ﷺ مرسلٌ للإنْسِ والجِنِّ، وهذا هو الحَقُّ، أعني : أن الجِنِّ، وهذا هو الحَقُّ، أعني : ان الجِنَّ لم يُرْسَل منهم إلا بواسطةِ رِسالَة الإنْس؛ كما جاء في الحَدِيث مع الجِنِّ الذين لمَّا سَمِعُوا القُرآن ولَّوءا إلى قََوْمِهِم مُنْذِرين، ولكن لا يَحْتَاجُ إلى تَقْدير مُضَافٍ، وإن قلنا : إن رُسُل الجنِّ من الإنس للمَعْنى الذي ذَكّرْنَاهن وهو أنه يُطْلَق عليهم رُسُل مجازاً؛ لكونهم رُسُلاً بواسطة رسالة الإنْسِ، وزعم قومٌ منهم الضَّحًّاك : أن الله أرْسَل للجِنِّ رسُولاً منهم يُسَمَّى يُوسُف.
قال ابن الخطيب : ودَعْوَى الإجماع في هذا بعيدٌ؛ لأنه كَيْف ينعقد الإجماعُ مع حُصُول الاختلافِ، قال : ويمكنُ أن يَحْتَجَّ الضحَّاك بقوله- تبارك وتعالى- :﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً ﴾ [ الأنعام : ٩ ].
قال المفسِّرُون : والسَّبب في أن استِئْنَاسَ الإنسان بالإنْسَانِ أكْمل من استِئْنَاسه بالملك، فوجب في حُكم اللَّه- تبارك وتعالى- أن يَجْعَل رُسُل الإنْس من الإنْس؛ ليكمل الاستِئْنَاسُ، وهذا المَعْنَى حَاصِلٌ في الجنِّ، فوحب أن يكُون رُسُل الجِنِّ من الجِنِّ، لتزول النَّفْرَة ويَحْصُل كمال الاستِئْنَاسِ.
وقال الكلبي : كانت الرُّسُل قبل أن يُبْعث محمَّد ﷺ يُبْعَثُون إلى الحِنِّ وإلى الإنْسِ جَمِيعاً.
وقال مُجَاهد : الرُّسُل من الإنس والنُّذُر من الجنِّ، ثم قرأ [ قوله تعالى ] :﴿ وَلَّوْاْ إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ﴾ [ الأحقاف : ٢٩ ]، وهم قوم يَسْمَعُون كلام الرُّسُل فِيُبَلِّغُون الجِنِّ ما سَمِعُوا، ولي للجِنِّ رُسُلٌ.
ثم قال :« يَقُصُّونَ عليكم آيَاتِي » أي : يَقْرءُون عليكم كُتُبِي « ويُنْذِرونكم لقاءً يَوْمِكُمْ هذا » وهو يوم القيامة، فلم يِجِدُوا عند ذلك إلا الاعتراف، فذلك قالوا : شَهِدْنَا على أنْفُسِنَا.