٢٣٣٦- فَزَجَحْتُهَا بِمَزَجَّةٍ زَجَّ - القُلُوصَ - أبِي مَزادَهْ
ويروي : فَزَجَجْتُها فتدافعتْ، ويروى : فزجَجْتُهَا متمكِّنَا، وهذا البيت كما تقدم أنْشَده الأخْفَش بِنْصَب « القَلُوصَ » فاصلاً بين المصدر وفاعل المعْنوِيّ، إلا أن القرَّاء قال بعد إنشاده لهذا البيتِ : أهل المدينة يُنْشِدون هذا البَيْتَ يعني : بِنَصْب « القَلُوص ». قال :« والصَّواب : زَجَّ القَلُوصِ بالخَفْض ». قال شهاب الدِّين : وقوله :« والصَّواب يُحْتَمل أن يكُون من حَيْث الرِّوَاية الصَّحيحة وأن يكُون من حَيْثُ القياس، وإن لم يُرْوَ إلا بالنَّصْب، وقال في مَوْضِع آخر من كتابه » مَعَانِي القُرْآن « :» وهذا ممَّا كان يقُولُه نَحْوي ُّو أهل الحِجَاز، ولم نَجِد مِثْلَه في العربيَّةط وقال أبو الفَتْح :« في هذا البيت فُصِل بينهُمَا بالمفعُول به هذا مع قُدْرته على أنْ يقُول : زَجَّ القَلُوص أبو مزادة؛ كقولك :» سَرَّنَي أكلُ الخُبْزِ زَيْدٌ « بمعنى : أنه كان يَيْبَغِي أن يُضِيفَ المَصْدَر إلى مَفْعُوله، فَيَبْقى الفاعل مَرْفُوعاً على أصْلِه، وهذا مَعْنَى قول الفرَّاء الأوَّل » والصَّواب جر القَلُوص « سيعني ورفع الفاعل ».
ثم قال ابن جِيني : وفي هذا البَيْت عِنْدي دَلِيلٌ على قُوَّة إضافَةِ المَصْدَر إلى الفَاعِل عِنْدَهُم، وأنه في نُفُوسِهِم أقْوَى من إضافته إلى المَفْعُول؛ ألا تراه ارْتَكب هذه الضَّرُورة مع تمكُّنِهِ من تركِهَا لا لِشَيْءٍ غير الرَّغْبة في إضافة المصْدَرِ إلى الفاعل دُون المَفْعُول، ومن الفَصْلِ بالمفعُول به أيضاً قول الآخر في ذلك :[ الرجز ]
٢٣٣٧- وحِلَقِ المَاذِيِّ والقَوانِسِ فَدَاسَهُمْ دَوْسَ الحَصَادَ الدَّائِسِ
أي : دوس الدائس الحصادَ.
ومثله قول الآخر :[ الرجز ]
٢٣٣٨ - يَفْرُكُ حَبَّ السُّنْبُلِ الكُنَافِجِ بالقَاعِ فَرْكَ -القُطُنَ - المُحَالِجِ
يريد : فَرْك المُحَالِجِ القُطْن، وقول الطِّرمَّاحِ في ذلك :[ الطويل ]
٢٣٣٩-................ بِوَاديهِ مِنْ قَرْعِ - القِسيَّ - الكَنَائَنِ
يريد : قَرْع الكَنَائِنِ القِسِيَّ. قال ابن جِنِّي في هذا البيت :« لم نَجِد فيه بُداً من الفَصْلِ؛ لأن القوافي مَجْرُورَة » وقال في « زَجِّ القَلُوصِ » فصل بَيْنَهُما بالمَفْعُول به، هذا ما قُدْرَته إلى آخَر كلامهِ المتقدِّم، يعني : أنَّه لو أنْشَد بَيْت الطِّرْمَاح بخَفْضِ « القِسِيِّط ورفع » الكَنَائِنِ « لم يَجُز؛ لأن القَوافِي مَجْرُورة بِخِلاف بَيْت الأخْفَش؛ فإنه لو خفض » القَلُوص « ورَفع » أبُو مَزَادَة « لم تَخْتَلِف فيه قَافيِتَه ولمْ يَنْكَسِر وَزْنَه.
قال شهاب الدِّين : ولو رفع »
الكَنَائِن « في البيت، لكان جَائِزاً وإن كانتِ القوافي مَجْرُورة، ويكُون ذلك إقْوَاءً، وهو أن تكُون بَعْضُ القَوَافي مَجْرُورة وبَعْضُها مَرْفُوعة؛ كقول امرئ القيس :[ الكامل ]
٢٣٤١- جَالَتْ لِتصْرَعَنِي فَقُلْتُ لَهَا اقْصِري إنِّ امْرُؤٌ صَرْعِي عَلَيْكِ حَرَامُ
قالميمُ مَحْفُوضة في الأوَّل، مَرْفُوعة في الثَّاني. فإن قيل : هذا عَيْبٌ في الشِّعْر.
قيل : لا يتقاعد ذلك عن أنْ يَكُون مِثْل هذه للضَّرُورةَ، والحقُّ أن الإقْواء أفْحَشُ وأكثر عَيْباً من الفَصْل المَذْكُور، و من ذلك أيضاً :[ الوافر ]


الصفحة التالية
Icon