وقال الفراء بعد أنْ ذكر قِرَاءة العامَّة وهي « زَيَّن » مبنياً للفاعل، « شركَاؤُهُم » مرفوعاً على أنَّه فاعِل- « وقراءة » زُيِّن « مبنياً للمفعُول، » شركَاؤُهُم « رَفْعاً على ما تقدَّم من أنه بإضْمار فعل، وفي مُصْحَف أهْل الشَّام » شُركَايهم « بالياء، فإن تكُن مُثْبتة عن الأوَّلين، فينبغي أن تقرأ » زُيِّن « ويكون الشُّركَاء هم الأوْلاَد؛ لأنهم مِنءهُم في النَّسْب والمِيراث. وإن كانوا يَقْرَءُون :» زَيِّن « - يعني بفتح الزاي- فَلَسْت أعرف جِهَتَهَا إلا أن يكُونُوا فيها آخِذِين بلُغَة قَوءم يَقُولون : أتْيتُها عَشَايَانَا، ويقولون في تثنية حَمْراء : حَمْرَايَان فهذا وَجْه أن يكُونُوا أرَادُوا : زَيَّن لكثير من المشْرِكِين قتل أوْلادهم شُركَايُهم، يعني بياء مَضْمُومة؛ لأن » شركَاؤُهُم « فاعل كما مَرَّ في قرَاءة العَامَّة.
قال :» وإن شِئْتَ جَعَلْتَ « زَيَّن » فعلاً إذا فَتَحْتَهُ لا يُلبس، ثم تَخْفِض الشركاء بإتباع الأولاد «.
قال أبو شامة :» يعني تَقْدير الكلام :« زَيَّن مُزَيّنٌ » فقد أتَّجَه « شركَائِهِم » بالجرِّ أن يكون نعتاً للأوْلاَد، سواءٌ قُرئ زَيّن بالفتح أو الضم «.
وقرأت فِرْقة من أهْل الشَّامِ - ورُوِيَتْ عن ابن عامر أيضاً- » زِينَ « بكسر الزاي بعدها ياء سَاكِنة؛ على أنه فِعْل مبْنِيّ للمْجُهول على حَدِّ قِيلَ وبيعَ.
وقيل : مَرْفُوع على ما يُسَمَّ فَاعِله، و » أولادهُم « بالنصب، و » شُرَكَائِهِم « بالخَفْضِ، والتَّوْجه واضح مما تقدَّم، فهي [ و ] القراءة الأولى سواء، غاية ما في البابِ :
أنَّه أُخذ مِنْ زَانَ الثُّلاثِي، وبين للمَفْعُول، فاعِلَّ بما قد عَرَفْتَهُ في أول البَقَرة.
واللام من قوله » لِكثير من المشْركينَ « متعلِّقة ب » زَيَّن «، وكذلك اللاَّمُ في قوله :» ليُرْدُهُم «.
فإن قيل : كيف تُعَلَّق حرفَيْ جر بلفْظٍ واحِد وبمعنى واحد بعامل واحد، من غَيْر بَدَلِيَّة ولا عَطْف؟.
فالجواب : أن مَعْنَاها مختلِفٌ؛ فإن الأولى للتَعْدِيَة والثَّانية للعِلِّيَّة.
قال الزمخشري :» إن كان التَّزيين من الشَّياطين، فهي على حقيقةِ التَّعْليل، وإن كان من السَّدنَةِ، فهي للصَّيْرُورة « يعني : ان الشَّيْطَان يَفْعَل التَّزْيين وغرضُه بذلك الإرْدَاءُ، فالتعْلِيل فيه واضِحٌ، وأمَا السَّدَنةُ فإنهم لم يُزَيِّنوا لهم ذَلِك، وغرضهم إهْلاكُهم، ولكن لما مآل حَالِهِم إلى الإرْدَاءِ، أتى باللاَّم الدَّالَّة على العَاقِبة والمآل.
فصل في بيان ما كان عليه أهل الجاهلية
كان أهْل الجَاهِليَّة يدْفِنُون بَنَاتَهم أحْياء خَوْفاً من الفَقْر والتَّزْويج، واخْتلفُوا في المراد بالشُّركَاءِ.
فقال مجاهد : شُرَكَاؤُهم شَيَاطينُهم أمَرُوهم بأن يَقْتُلوا أولادَهم خَشْيَة الغِيلَة، وسمِّيت الشَّياطين شُرَكَاء؛ لأنهم اتخذوها شُرَكَاء لقوله - تبارك وتعالى - :