والثاني : أنه مَقْلُوب من حجر، قُدِّمَتْ لامُ الكَلِمَة على عَيْنها، ووزنه « فِلْع » ؛ كقولهم : نَاء في نَأى، ومعيق في عَمِيق، والقَلْب قليل في لسانهم، وقد قدَّمت منه جُمْلَة في المائدة عند قوله - تبارك وتعالى- :﴿ أَشْيَآءَ ﴾ [ المائدة : ١٠١ ].
قوله :« لا يَطْعَهُما إلى مَنْ نَشَاءُ » هذه الجُمْلَة في محلِّ رفْع نَعْتًا ل « أنعام » وصفٌوه بوَصْفَيْن :
أحدهما : أنه حِجْرٌ.
والثاني : أنه لا يَأكُلُه إلا من شَاءُوا وهم الرِّجال دُون النِّساء، أو سَدَنه الأصْنَام.
قال مُجَاهد - رضي الله عنه- : يعني بالأنْعَام : البَحِيرة والسَّائِبَة والوصِيلَة والحَامِي، لا يَطْعَمُهَا ولا يأكُلها إلا الرِّجَال دُون النِّساء.
وقال غيره : الأنْعام ما جَعَلُوها للَّه ولآلهتهم على ما تقدم [ « ومَنْ نَشَاءُ » فاعل ب « يَطْعَمُهَا » وهو استِثْنَاء مفرَّغ، و « بزعمهم » : حالٌ كما تقدَّم ] في نظيره.
قوله :« وأنْعَامٌ حُرِّمتْ ظُهُورُهَا » وهي البَحَائِر والسَّوائب والحَوَامِي، و هذا هو القَسْم الثَّاني وقد تقدَّم في المَائِدةَ، والقسم الثالث : أنعام لا يَذْكُرُون اسْم اللَّه عليها بالذَّبْح، وإنما يَذْكُرُون عليها اسْمَاء الأصْنَام.
وقيل : لا يَحُجُّون عليها، ولا يُلَبُون على ظُهُورهِا، ولا يَرْكَبُونها لفعل الخَيْرِ؛ لأنه لما جرت العادة بِذِكْر اسْم اللَّه على فِعْل الخَيْر.
قوله :« افْتِرَاءٌ » فيه أربعة أوجه :
أحدها- وهو مذهب سيبويه - : أنه مَفْعُول من أجْلِه، أيك قالوا ما تقدَّم لأجْل الافْتِرَاء على البَاري - تبارك وتعالى- أي : يزْعُمُون أن الله أمِرهُم به افْتِرَاء عليه.
الثاني : مَصْدر على غير الصَّدْر؛ لأن قَوْلَهُم المحْكي عنهم افْتِرَاءن فهو نَظير « قَعَد القُرْفُضَاء » وهو قول الزَّجَّاج.
الثالث : أنه مصدر عامله من لَفْظِه مُقَدَّر، أي : افْتَروا ذلك افْتِرَاء.
الرابع : أنه مَصْدَر في موضع الحالِ، أي : قالوا ذلك حَال افْتِرَائهم، وهي تُشْبِه الحال المؤكِّدة؛ لأن هذا القَوْل المَخْصُوص لا يَكُون قَائِلُه إلا مُفْتَرِياً.
وقوله :« عَلَى اللَّه » يجوز تعلُّقه ب « افْتِرَاءً » على القول الأوَّل والرَّابع، وعلى الثاني والثَّالث ب « قالوا » لا ب « افْتِرَاءً » ؛ لأن المصدر المؤكد لا يَعْمَل، ويجُوز ان يتعلَّق بمحذُوف صِفَة ل « افْتِراءً » وهذا جَائِزٌ على كل الأقوالِ.
قوله :﴿ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ والمقصود منه الوعيد، و « الباء » في قوله :« بِمَا » سببيّة، و « مَا » مَصْدَريَّة، أو موصُوفة، أو بمَعْنَى الَّذِي.


الصفحة التالية
Icon