وقرأ ابن عامر :« إلاَّ أنْ تكُون مَيْتَةٌ » بالتَّأنيث ورفع « مَيْتَةٌ » يعني : إلا أن يوجَد مَيْتَةٌ، فتكون تَامَّة عِنْدَه، ويَجُوز أن تكون النَّاقِصَة والخبرُ محذوف، تقديرهُ : إلا أنْ يَكُون هُنَاك مَيْتَة، وقد تقدَّم أن هذا مَنْقُولٌ عن الأخْفَشِ في قوله قبل ذلك ﴿ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً ﴾ [ الأنعام : ١٣٩ ].
وقال أبو البقاء :« ويقرأ برفع » مَيْتَةٌ « على أن تكون تامَّة، وهو ضعيف؛ لأن المَعْطُوف مَنْصُوب ».
قال شهاب الدِّين : كيف يُضَعَّف قراءة مُتواتِرة؟ وأما قوله :« لأن المَعْطُوف مَنْصُوب » فذلك غير لازم؛ لأن النَّصْب على قِرَاءة مَنْ رَفَع « مَيْتَة » يكون نَسَاٌ على مَحَلِّ « أنْ تَكُون » الواقِعَة مسْتَثْنَاة، تقديره : إلاَّ أن يَكُون مَيْتَة، وإلا دماً مَسْفُوحاً، وإلاَّ لَحْم خِنْزِير.
وقال مكِّي : وقرأ أبو جعفر :« إلاَّ أنْ تكُون » بالتَّاء، « مَيْتَةٌ » بالرفع ثم قال : وكان يَلْزَم أبَا جَعْفَر أن يَقْرَأ « أوْ دَمٌ » بالرفع، وكذلك ما بَعْدَه.
قال شهاب الدين : هذه قِراءة ابن عامر، نَسَبَها لأبي جَعْفَر يزيد بن القَعْقاع المَدَنِي شَيْخُ نَافِع؛ وهو مُحْتَمل، وقوله :« كان يَلْزَمُه » إلى آخره هو مَعْنى ما ضَعَّفَ به أبُو البقاء هذه القراءة، وتقدَّم جواب ذلك، واتَّقَق أنَّ ابن عامرٍ يقرأ :﴿ وَإِن تَكُنْ مَيْتَةٌ ﴾ بالتَّأنيث والرَّفْع وهنا كذلك.
وقرأ ابن كثير وحمزة :« تَكُون » بالتَّأنيث، « مَيْتَة » بالنَّصْب على أن اسْم « تكُونَ » مُضْمَر عَائِدٌ على مُؤنَّث أي : إلا أن يكُون المَأكُولُ أوالنَّفْسُ أو الجُثَّةُ مَيْتَة، ويجوز أن يَعُود الضَّمِير من « تكُون » على « مُحَرَّماً » وإنَّما أنَّث الفعل لتأنيث الخبر؛ كقوله :﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن ﴾ [ الأنعام : ٢٣ ] بنصب « فِتْنَتِهم » وتأنيث « تَكُنْ ».
وقرأ الباقون :« يَكُونَ » بالتَّذْكير، « مَيْتِةً » نصباً، واسم « يَكُون » يعود على قوله :« مُحَرَّماً » أي : إلاَّ أنْ يَكُون ذلك المُحَرَّم، وقدّره أبُو البقاء ومَكِّي وغيرُهما :« إلاَّ أنْ يكُون المَأكولُ »، أو « ذَلِك مَيْتَةً ».
قوله :« أوء دَماً مَسْفُوحاً » « دماً » على قرءاة العامَّة : معطوفُ على خبر « يَكُون » وهو « مَيْتَة » وعلى قراءة ابن عامرٍ وأبي جعفرك معطوف على المُسَتَثْنَى، وهو « أنْ يَكُون » وقد تقدَّم تحرير ذلك.
و « مَسْفُوحاً » صفة ل « دَماً » والسَّفْحُ : الصبُّ، وقيل :« السَّيَلان »، وهو قريبٌ من الأول، و « سَفَحَ » يستعمل قاصِراً ومتعدِّياً؛ يقال : سَفَحَ زيدٌ دَمْعَه ودَمَهُ، أي : أهْرَاقَه، وسَفَح هُو، إلاَّ أن الفَرق بينهما وَقَع باخْتِلاف المَصدر، ففي المُتعدِّي يقال : سَفْح وفي اللاَّزِم يقال : سُفُوح، ومن التّعَدِّي قوله تعالى :﴿ أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً ﴾ ؛ فإن اسْم المفعُول التَّامَ لا يُبْنَى إلا مِنْ مُتَعَدِّ، ومن اللُّزُوم ما أنْشَده أبو عبيدة لِكُثَيِّرَة عَزَّة :[ الطويل ]