ومنها : ما أمر بِقَتْلِه بقوله :« خَمْس فواسِق تُقْتَل في الحِلِّ والحَرَم ».
ومنها : ما نَهَى عن قَتْلِه؛ كنِهْيه عن قَتْل النَّحْلَة والنَّمْلة؛ فهو حَرَامٌ، وما سوى ذلك فَيُرْجَع إلى الأغْلَب فيه من عَادَات العرب، فما يأكله الأغْلَب مِنْهُم، فهو حلالٌ، وما لا يَأكُلُه الأغْلَب منهم، فهو حَرَام؛ لأن الله -تبارك وتعالى- خاطَبَهم بقوله :﴿ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات ﴾ [ المائدة : ٤ ] فما اسْتَطَابُواه فهو حلال.
وقوله :﴿ فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾.
أباح هذه المُحَرَّمَاتِ عند الاضْطِرار في غير العُدوان، وتقدم الكلام عل نَظِيرها في البقرة.
قوله :« وَعَلى الَّذين هَادُوا » متعلَّق ب « حَرَّمْنَا » وقد يُفيد الاخْتِصاص عند بعضهم؛ كالزَّمْخَشَري والرَّازي، وقد صرّح به الرَّازي هنا، أعني : تَقْديم المَعْمُول على عَامِلهِ.
وفي « ظفُر » خمس لغات :
أعلاها :« ظُفُر » بضم الظَّاءِ والفَاءِ، وهي قرءاة العامَّة.
و « ظُفْر » بسكون العين، وهي تَخْفِيف لمَضْمُومِها، وبها قرأ الحسن في رواية وأبيُّ بن كَعْب والأعْرَج.
و « ظِفِر » بكسرا لظَّاء والفاء، ونسبها الوَاحِدي قراءة لأبي السَّمال.
و « ظِفْر » تكسر الظَّاء وسكون الفَاء، وهي تَخْفيفٌ لمكْسُورها، ونسبها النَّاس للحسن أيضاً قراءة واللغة الخامسة :« أظْفُور » ولم يُقْرأ بها فيما عَلِمْنَا؛ وأ، شدوا على ذلك قول الشاعر :[ البسيط ]

٢٣٧٢- مَا بَيْنَ لُقْمِتِهَا الأولَى إذَا انْحَدَرَتْ وبَيْنَ أُخْرَى تَلِيها قِيدُ أظْفُورِ
وجمع الثُّلاثي : أظْفَار، وجمع أظْفُور : أظافير وهو القياس وأظافِر من غير مَدِّ، وليس بِقِياس؛ وهذا كقوله :[ الزجر ]
٢٣٧٣- العَيْيَيْنِ والعَوَاوِر... وقد تقدَّم تَحْقِيق ذلك في قوله :﴿ مَفَاتِحُ الغيب ﴾ [ الأنعام : ٥٩ ].

فصل في معنى « ذي ظُفُر »


قال الواحديُّ اختلفوا في ذِي الظُّفُر : فروى عطاء عن ابن عبَّاس- رضي الله عنهما- : أنه الإبل فقط، ورُوي عنه أيضاً : أنَّه الإبل والنَّعَامة؛ وهو قول مُجَاهد.
قوال عِبْد اللَّهِ بْنُ مُسْلِم :« إنَّه كلُّ ذي مِخْلَبٍ من الطَّير، وكلُّ البَعِير والنَّعامة والإوَزِ والبَط؛ ثم قال : كذلك قال المفسِّرون.
وقال ابن الخطيب :»
وَسُمِّي الحافر ظفراً على الاسْتِعاَرِة « قال ابْنُ الخطيب أمَّا حمل الظُّفُر على الحَافِر فِبَعِيدٌ من وَجْهَيْن :
الأول : أن الحَافِ لا يُسَمَّى ظُفُراً.
والثاني : لو كان الأمْر كذلك، لوجب ا، ب يُقَال : إنه - تبارك وتعالى- حَرَّم عليهم كُلَّ حَيَوان له حَافِر، وذلك بَاطِلٌ؛ أن الآية تدلُّ على أنَّ الغَنَم والبَقَر مُبَاحَان لَهُم مع حُصُول الحافِر لَهُم.
وإذا ثَبَتَ هذا، فَنَقُول : وجب حَمْل الظُّفُر على المَخَالِبِ والبَرْاثِنِ؛ لأن المَخالِب آلات الجَواَرِد في الاصطِيَاد : والبرارثِن آلات السِّبَاع في الاصْطِيَاد، وعلى هذا التقدير يدخل أنواع الكِلاب والسِّباع والسَّنَانِير، ويدخل فيه الطُّيُور اليت تُصْطَاد؛ لأن هذه الصِّفَة تَعْمُّهُم.


الصفحة التالية
Icon