الرابع : أنه مَنْصُوبٌ على أنه مَفْعُول ثانٍ قُدِّم على عَامِله؛ لأن « جَزَى » يتعدِّى لاثْنَين، والتَّقْدير : جَزيْنَاهم ذلك التَّحْريم، وقال أبُو القاء ومكِّي إنَّه في مَوْضع نَصْب ب « جَزَيْنَاهُم » ولم يُبَيِّنَا على أيِّ وَجْهٍ أنتَصَب : هل على المَفْعُول الثَّانِي أو المصدر؟

فصل في معنى قوله « جزيناهم ببغيهم »


والمعنى : إنما خَصَصْنَاهم بهذا التَّحْريم جزاءً على بَغْيِهم، وهو قتلهم الأنْبَياء، وأخْذِهم الرِّبَا، وأكْلِهم أمْوال الناس بالبَاطِل، ونظيره قوله - تعالى- :﴿ فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ﴾ [ النساء : ١٦٠ ].
قوله :« وإنَّا لَصَادِقُونَ » مَعْمُولة مَحْذُوف، أي : لصادِقُون في إتمام جَزَائِهِم في الآخِرَة؛ إذا هو تَعْرِيضٌ بكَذبهم حَيْث قالُوا : نحن مُقْتَدُون في تَحْريم هذه الأشْيَاء بإسْرَائيل، والمعنى : الصَّادقون في إخْبَارنا عنهم ذلك، ولا يُقَدَّر له مَعْمُول، أي : من شأنِنَا الصِّدْق.
قوله :« فإنْ كَذَّبُوكَ » [ الضَّمِير في « كَذَّبُوك » ] الظاهر عودُه على اليَهود؛ لأنَّهم أقرب مذكور.
وقيل : يعود على المُشْركين، لتقدُّم الكلام معهم في قوله :﴿ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ١٤٣ ] و ﴿ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ ﴾ [ الأنعام : ١٤٤ ] والمعنى : فإن كذَّبُوك في ادِّعَاء النُّبُوة والرِّسَالة « فَقُلْ ربُّكُم ذو رَحْمَة واسِعَة » فلذك لا يُعَجِّل عليكم بالعُقوبة، ثم أخبرهم بما أعَدَّ لهم، من العذاب في الآخرة، و « لا يردُّ بأسه » أي إذَا جَاء الوَقْت.
وقوله :« ذُو رَحْمةٍ » جيء بِهَذه الحُمْلَة اسمِيَّة، وبقوله « ولا يُرَدُّ بأسُهُ » فِعْليَّة [ تَنْبيهاً على مُبَالَغة سعَة الرَّحْمة؛ لأن الاسْمِيَّة أدلُّ على الثُّبُوت والتَّوْكيد من الفِعْليَّة.
قوله :« عن القَوْم المُجْرِمين » يحتمل أن يكُون من وَضْع الظَّاهِر موضع المُضْمَر ] تنبيهاً على التَّسْجِيل عليهم بذلك، والأصل : ولا يُرَد بَأسُه عنكم.
وقال أبُو البقاء :« فإن كَذَّبُوك » شُرْطٌ، جوابه :« فَقُل رَبُّكُم ذُو رَحءمَة وَاسِعَةٍ » والتقديرُ :« فقل يَصْفَح عَنْكُم بِتَأخير العُقُوبَة » وهذا تفسير معنى لا إعراب.


الصفحة التالية
Icon