وأمّا « مِن دُونه » الثَّانية، فالإشْرَاك يَدُلُّ على تَحْرِيم اشْياء وتحليل أشياء، فلمْ يَحْتَج إلى لفظ « مِن دُونِهِ » ] وأمّا لفظ العِبَادة فلا يَدُلُّ على تَحْرِيم شَيْءٍ كما يدلُّ عليه لفظ « أشْرَك » فَقُيِّد بقوله :« مِنْ دُونِهِ » ولما حَذَف « مِن دُونِهِ » هنا نَاسب أن يُحْذَف « نَحْن » ليطرد التَّرْكيب في التَخفيف «.
قال شهاب الدِّين :» وفي هذا الكلام نَظَر لايَخْفَى «.
قوله :» مِن شَيْءٍ « » مِنْ « زائدة في المَفْعُول، أي : ما حَرَّمْنا شَيئاً، و » من دُونِه « متعلِّق ب » حرّمنا « أي : ما حَرَّمنا من غير إذْنه لَنَا في ذلِك.
قوله :» وكذالك « نعت لِمَصْدر مَحْذُوف، أي : مثل التَّكْذِيب المُشَار إليه في قوله :» فإن كَذَّبُوك «.
وقُرئ :» كَذَب « بالتَّخْفِيف.
وقوله :» حَتَّى ذَاقُوا « جاء به لامْتِداد التكْذيبن وقوله :» مِنْ عِلْم « يحتمل أن يَكُون مُبْتَدأ و » عِنْدَكم « خبر مُقدَّم، وأن يكون فَاعِلاً بالظَّرْف؛ لاعتماده على الاسْتِفْهام، و » مِنْ « زائِدة على كِلاَ التَّقْدِيريْن.
وقرأ النَّخْعِي وابن وثاب :» إن يتِّبِعُون « بياء الغَيْبَة.
قال ابن عطيَّة وهذه قِرَاءة شاذَّة يُضَعِّفها قوله :» وإنْ أنْتُم إلا تَخْرُصُونَ « يعني : أنه أتى بَعْدَها بالخِطَاب فبعُدت الغَيْبَة، وقد يُجَاب عنه بأنَّ ذلك من بَابِ الالتِفَات.
قوله :» قُلْ فَلِلِّهِ « بين » قُلْ « وبين » فَلِلَّهِ « شيء مَحْذُوف، فقدّره الزمخشري شرطاً؛ جوابه : فِلِلَّهِ؛ قال :» فإن كان الأمر كما زَعَمْتُم من كَوْنِكُم على مشِيئَة اللَّه فللَّه الحُجَّة «.
وقدّره غيره جُمْلة اسميَّة، والتقدير : قل أنْتُم لا حُجَّة لكم على ما ادَّعَيْتُم فِللَّهِ الحُجَّة البَالِغَة عليكم، والحدة البالغة : هي التي تَقْطَعُ عذر المَحْجُوج، وتطرد الشَّكَ عمن نَظَر فيها.
قوله :﴿ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾.
احتج به أهْلُ السُّنَّة على أن الكُلَّ بمشيئَة الله - تعالى -؛ لأنَّ كلمة » لَوْ « في اللُّغة تُفيد انْتِفَاء الشَّيْ لانْتِفَا غَيْره، فدلّ هنا على أنَّه- تعالى - ما شَاءَ أن يَهْدِيهم وما هَدَاهُم أيضاً، وتَقْرِيُره بالدَّلِيل العَقْلِي : أن قُدَرَة الكَافِر على الكُفْرِ إن لَمْ تكن قُدْرَة على الإيمان، فاللَّه - تعالى - عَلَى هذا التَّقْدير ما أقْدَرَهُ على الإيمان، فلو شَاءَ الإيمان منه، فَقَدْ شَاءَ الفِعْل من غير قُدْرَةٍ على الفِعْلِ، وذلك مُحَالٌ، ومشِيئَةُ المُحَال مُحَال، وإن كانت القُدْرَةُعلى الكُفْرِ قُدْرَةٌ على الإيمانِ، تَوَقَّف رُجْحَان أحد الطَّرَفَيْن على حُصُول الدَّاعِية المُرَجِّحَة.