وقال جابر :« ما ظَهَرَ مِنْهَا وما بَطَن » في محلِّ نصب بدَلاً من الفواحِشِ بدل اشْتمالَ ]، أي : لا تقْرَبُوا ظاهِرهَا وباطنها؛ كقولك : ضَرْبتُ زَيْداً ما ظهر مِنه وما بَطَن، ويجوز أن تكُون « مَنْ » بدل البَعْض من الكُلِّ.
و « منها » متعلِّقٌ بمَحْذُوف؛ لأنه حال من فاعل « ظَهَر » وحذف « منها » بعد قوله « بطن » لدلالة قوله « مِنْهَا » في الأوَّل عليه، قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما- :« كانوا يَكْرَهُون الزِّنَا علانية وسِرّاً ».
وقال الضَّحَّاك :« ما ظهر : الخمر، ومابطن الزنا » والأولى أ، يُجْرَى النَّهْي على عُمُومه في جَمْيع الفواحِشِ، ظاهر وباطها، لا يُخَص بنوع مُعَيَّن.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق ﴾ الآية.
فقوله :« إلاَّ بالحقِّ » في محلِّ نَصْب على الحالِ من فاعل « تَفْتُلُوا » أي : لا تَقْتُلُوا إلاَّ مُتَلَبِّسِين بالحق، ويَجُوز أ، يكون وَصْفاً لمصدر مَحْذُوف، أي : إلاَّ قَتْلاً متلَبساً بالحقِّ، وهو أن يكون القَتْل للقِصَاصِ، أو للرِّدَّة أو للزنا بشرطة، كما جاء مبنياً في السُّنَّة.
قال القرطبي : وتَارك الصَّلاة، ومَانِع الزَّكَاة، وقد قتل الصَّدِّيق مانع الزَّكَاة، وقال - تعالى - ﴿ فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ واحصروهم واقعدوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ ﴾ [ التوبة : ٥ ].
قوله :« ولا تَقْتُلُوا » هذه شبيه بذكر الخاصِّ بعد العامِّ اعتناءً بِشَأنهِ؛ لأن الفَواحِش يَنْدَرج فيها قَتْل النَّفْس، فجرَّد منها هذا اسْتِفظَاعاً له وتَهْويلاً؛ ولأنَّه قد استَثْنَى منه في قوله :« إلاَّ بالحقِّ » ولو لم يَذْكر هذا الخَاصَّ، لم يَصِحَّ الاستِثْنَاء من عُمُوم الفَوَاحش، لو قيل في غَيْر القُرآن العظيم :« لا تَقْرَبُوا الفواحش إلا بالحقِّ » لم يكن شيئاً.
قوله :« ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ به » في الجُمْلَة الفِعْليَّة بعده.
والثاني : أنه في محلِّ نصب بفعل مُقدَّر من مَعْنَى الفِعْل المتأخر عنه، وتكون المَسْألة من باب الاشْتِغَال، والتقدير : ألزَمَكُم أو كَلَّفَكُم ذلك، ويكون « وصَّاكُمْ بِهِ » مفسِّراً لهذا العَامِل المقدَّر؛ كقوله - تعالى- :﴿ والظالمين أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ [ الإنسان : ٣١ ] ونَاسَب قوله هنا :« لَعَلَّكُم تَعْقِلُون » لأن العقل مَنَاط التَّكْليف والوَصيَّة بهذه الأشْيَاء المَذْكُورة.


الصفحة التالية
Icon