وقيل :« الذي » عِبَارةٌ عمّا عَمِلَهُ مُوسى - ﷺ - وأتقنه، أي : تماماً على الذي أحْسَنَهُ موسى - ﷺ -.
والثاني : أنَّ « أحَسْن » اسمٌ على وَزْن أفْعَل، ك « افْضَل » و « أكْرَم »، واستَغْنَى بِوَصْف الموصُول عن صِلَتِهِ، وذلك أنَّ المَوْصُول متى وُصِف بِمَعْرِفَة، نحو :« مَرَتُ بالذي أخيك »، أو بِمَا يُقارب المَعْرِفَة، نحو :« مَررْت بالذي خَيْر مِنْكَ، وبالذي أحْسَن منك »، جاز ذلك، واستغنى به عن صِلته، وهو مَذْهَبُ الفرَّاء، وأنشد قوله :[ الزجر ]
٢٣٨٦- حتَّى إذَا كَانَا هُمَا اللَّذِين... مِثْلَ الجَدِيليْن المُحَمْلَجَيْنِ
بنصب « مِثْلَ » على أنه صِفَةٌ ل « اللَّذِيْن » المنصُوب على خَبَر كان، ويجُوز أن تكون « الَّذي » مصدريَّة، و « أحْسَنَ » فعل ماضٍ صِلَتُها والتقدير : تماماً على إحْسَانِه، أي : إحْسان الله - تعالى - إليه، وإحْسَان مُوسَى إليهم، وهُو رأي يُونُس والفراء؛ كقوله :[ البسيط ]
٢٣٨٧- فَثَبَّتَ اللَّهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ... تَثْبِيتَ عِيسى ونَضراص كالَّذِي نُصِرُوا
وقد تقدَّم : تَحْقِيقُ هذا.
وفتح نُون « أحْسَنَ » قراءة بالعامَّة وقرأ يَحْيَى بن يَعْمُر، وبان أبِي إسْحَاق برفعها، وفيها وجهان :
أظهرهما : أنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أي : على الذي هو أحْسَن، فحذف العَائِد، وإن لم تَطُل الصِّلَةُ، فهي شَاذَّةٌ من جِهَة ذلك، وقد تقدَّم بدلائله عِنْد قوله :﴿ مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾ [ البقرة : ٢٦ ]، فيمن رفع « بَعُوضَةٌ ».
الثاني : أن يكُون « الَّذِي » واقِهاً موقع الذين، وأصلُ « أحْسن » : أحْسَنُوا بواو الضَّمير، حُذِفَت الواوُ اجتِزَاءً بحركة ما قبلها، قاله التبريزيُّ؛ وأنشد في ذلك فقال :[ الوافر ]
٢٣٨٨- فلَوْ أنَّ الأطِبَّاء كَانُ حَوْلي... وكان مَعَ الأطِبَّاءِ الأسَاة
قال الآخرُ في ذلك هذا البيت :[ الوافر ]
٢٣٨٩- إذا مَا شَاءُ ضَرُّوا مَن أرَادُوا... ولا يَألُوهُمُ أحَدٌ ضِرَارا
وقول الآخر في ذلك :[ الزجر ]
٢٣٩٠- شَبُّوا على المَجْدِ وَشَابُوا واكتَهَلُ... يريد اكْتَهَلُوا، فحذف الواو، وسكن الحَرْف قبلها، وقد تقدَّم أبْيَاتٌ أخر كَهَذِهِ في غُضُون ها الكتاب، ولكن جَمَاهير النُّحَاة تَخُصُّ هذا بِضَرُورَة الشِّعر.
وقوله :« وتَفْصيلاً » وما عُطِفَ عليه؛ مَنْصُوب على ما ذُكِرَ في « تَمَاماً » [ والمعنى : بياناً لكلِّ شيءٍ يحتاجُ إليه من شرائع الدِّين. و « هدّى ورحمةً » ذها في صِفَة السُّورة.
« لعلَّهُمْ بِلقَاءِ ربِّهم يُومِنُون ».
قال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما- « لكي يُؤمنوا بالبعث، ويُصَدِّقُوا بالثُّوَاب والعِقَاب » ].


الصفحة التالية
Icon