قال أبو حاتم :« ذَكَرُوا أنَّه عَلَط ».
قال شهاب الدِّين : لأنَّ الفِعْل مسندٌ لِمُذَكَّر، وجوابُه : أنَّه لما اكْتَسَب بالإضافَة التَّأنيث، أجْرِي عليه حُكْمُه؛ كقوله :[ الطويل ]

٢٣٩١- وتَشْرَقُ بالقَوْلِ الَّذِي قَد أذَعْتَهُ كما شَرِقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّمِ
وقد تقدَّم تَحْقِيق هذا أوَّل السُّورة؛ وأنْشَد سيبويه :[ الطويل ]
٢٣٩٢- مَشَيْنَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِمَاحُ تَسَفَّهَتْ أعِالِيَهَا مضرُّ الرِّيَاحِ النَّواسِم
وقيل : لأن الإيمان بِمَعْنى : العَقِيدة؛ فهو كقولهم :« أتَتْهُ كِتَابي فاحْتَقَرَهَا » أي : صَحِيفَتِي، ورِسَالَتِي.
قال النَّحَّاس :« في هذا شَيْء دَقِيقٌ ذكره سيبويه : وذلك أن الإيمان، والنَّفْس كلٌّ مُشْتَمِلٌ على الآخَر، فأنَّث الإيمان، إذ هو من النَّفْسِ وبها » وأنشد سيبويه :[ الطويل ]
٢٣٩٣- مَشَيْنَ كَمَا اهْتَزَّتْ... .......................
وقال الزَّمَخْشَرِيُّ :« في هذه القراءة، يكُون الإيمان مُضَافاً إلى ضَمِير المُؤنَّثِ الذي هو بَعْضُه؛ كقوله : ذَهَبَتْ بَعْضُ أصابِعهِ ».
قال أبو حيَّان :« وهو غَلَطٌ؛ لأن الإيمان لَيْس بَعْضاً من النَّفْس ».
قال شهاب الدِّين : وقد تقدَّم آنِفاً ما يَشْهَد لصحَّةِ هذه العِبَارة من كلام النَّحَّاس، في قوله عن سيبويه :« وذلك أن الإيمان والنَّفْس كُلٌّ مِنْهُما مُشْتَمِلٌ على الآخَر، فأنَّث الإيمان، إذْ هُو من النَّفْس وبها » فلا فَرْق بين هَاتِيْن العِبَارَتَيْن، أيْ : لا فَرْق بين أنْ يقول : هو منها وبها، أو هو بعْضُها، والمُرَاد في العِبَارتَيْن : المَجَاز.

فصل


أجمعُوا على أنَّ المقصُود بهذه الآية : عَلامة القيامة، عن البرءا بن عَازِب رضي الله عنه قال :« كُنَّا نَتَذَكَر السَّاعة [ إذْ أشرف عَلَيْنا رسُول الله ﷺ قال : ما تَتَذاكَرُون؟
قُلْنَا : نَتَذاكَرُ السَّاعة ] ؟
قال : إنها لا تقُوم حتَّى تَرَوْا قبلها عشْر آيات : الدُّخان، ودابَّة الأرْضِ، وخسْفاً بالمشْرِق، وخَسْفاً بالمغرِب، وخسْفاً بجزيرَة العرب، والدِّجِّال، وطُلُوع الشَّمس من مَغْرِبها، ويأجُوج ومَأجُوج، ونُزول عيسى - عليه السلام-، ونارً تَخْرج من عَدَن »
.
وروى أبو هريرة- رضي الله عنه- قال : قال رسُول الله ﷺ :« لا تَقُوم السَّاعة حتى تَطْلُع الشَّمس من مَغْرِبها؛ فإذا طلعت وَرَآهَا النَّاس، آمنوا أجْمَعِين، وذلك حين لا يَنْفَع نَفْساً إيمانُها لم تَكُن آمَنَتْ من قَبْلُ أو كَسَبت في إيمانِهَا خَيْراً ».
وروى أبُو مُوسَى الأشْعَريُّ- رضي الله عنه - قال : قال رسُول الله ﷺ :« يَدُ اللَّه بُسْطَانٌ لِمسيء اللَّيْل، ليتُوب بالنَّهَار، ولمُسِيء النَّهَار، ليتُوب باللَّيْل، حتى تَطْلع الشَّمْس من مَغْرِبِهاَ ».
وعن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسُول الله ﷺ :« من تَابَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ من مَغْرِبهَا تَابَ علَيْه ».
وعن زِرِّ بن حبيش، قال : أتَيْتُ صفوان بن العَسَّال المراديّ؛ فذكر عن رسُول الله ﷺ :« إن الله جَعَل بالمَغْرِب بَاباً مَسِيرة عَرْضِة سَبْعُون عاماً، لا يُغْلَقُ حتَّى تَطْلُع الشَّمْس من قبله »


الصفحة التالية
Icon