إنما ذكّر العدد والمَعْدُود مذكَّر، لأوجه :
منها : أن الإضافة لها تَأثِير كما تقدَّم غيْر مرَّة؛ فاكسب المُذَكَّر من المؤنَّث التَّأنيث، فأعْطِي حُكْم المؤنَّث من سُقُوط التَّاء من عَدَدِه، ولذلك يُؤنَّث فعله حالة إضافته لِمُؤنَّثٍ نحو :﴿ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة ﴾ [ يوسف : ١٠ ].
وقوله :[ الطويل ]

٢٣٩٥-............ كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنْ الدَّمِ
وقوله :[ الطويل ]
٢٣٩٦-............. تَسَفًّهَتْ أعَالِيهَا مَرُّ الرِّبيعِ النَّواسِمِ
إلى غير ذلك مما تقدَّم تَحْقِيقه.
ومنها : أنَّ المذكر عِبَارة عن مُؤنَّثٍ، فرُوعِي المُرَاد دُونَ اللَّفْظ، وعليه قوله :[ الطويل ]
٢٣٩٧- وإنَّ كِلاَباً هذه عَشْرُ أبْطُنٍ وأنْتَ بَرِيءٌ مِنْ قِبَائِلِهَا العَشْرِ
لم يُلْحِق التَّاء في عدد أبطن، وهي مُذَكَّرة؛ لأنَّها عِبَارة عن مُؤنَّث، وهي القبائل، فكأنَّه قيل : وإن كِلاَباً هذه عَشْر قَبَائِل؛ ومثله قول عُمَر بن أبي ربيعة :[ الطويل ]
٢٣٩٨- وَكَانَ مِجَنِّي دُونَ مَنْ كُنْتُ أتَّقِي ثلاثُ شُخُوصٍ كاعِبَانِ ومُعْصِرُ
لم تَلْحَق التاءُ في عدد « شخوص » وهي مُذَكَّرة؛ لمَّا كانت عِبَارة عن النِّسْوة، وهذا أحْسَن ممَّا قَبْلَه؛ للتَّصْريح بالمُؤنَثِ في قوله :« كاعبانِ » و « مُعْصِرُ »، وهذا كما أنَّه إذا أُرِيد بلَفْظٍ مؤنَّثٍ معنَى مُذَكَّر؛ فإنَّهم يَنْظُرُون إلى المُراد دُونه اللَّفْظ، فَيُلْحِقُون التَّاء في عددِ المُؤنَّث، ومنه قوله الشاعر :[ الوافر ]
٢٣٩٩- ثَلاَثَةُ أنْفُسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ لَقَدْ جَارَ الزَّمَانُ على عِيَاليِي
فألحَق التَّاء في عدد « انْفُس » وهي مُؤنَّثةٌ؛ لأنَّها يراد بها ذُكُور، ومثله :﴿ اثنتي عَشْرَةَ أَسْبَاطاً ﴾ [ الأعراف : ١٦٠ ] في أحد الوَجْهَين، وسيأتي إن شاء الله في موضعه.
ومنها : أنَّه راعى الموصُوف المَحْذُوف، والتقدير : فله عَشْر حسنات أمْثَالها، ثم حذف الموصُوف : وأقَامَ صِفَتَهُ مُقامه تاركاً العدد على حاله، ومثله :« مَرَرْت بِثَلاثة نَسَّاباتٍ » ألْحِقَت التَّاء في عدد المؤنَّث مُرَاعاة للموصوف المَحْذُوف، إذ الأصْل : بثلاثة رجالٍ نسَّاباتٍ، ويؤيِّد هذا : قراءة يَعْقُوب، والحسن، وسعيد بن جُبَيْر، والأعْمش، وعيسى بن عُمَر :« عَشْرٌ » بالتَّنوين « أمثَالُها » بالرَّفْع صفة ل « عَشْر » أي : فله عشر حسنتٍ أمْثَالِ تِلْك الحسنة، وهذه القراءة سَالِمَةٌ من تلك التَّآويل المَذْكُورة في القِرَاءة المَشْهُورة.
وقال أبو عليَّ : اجْتَمَع هاهُنَا أمْرَان، كلٌّ مِنْها يُوجِب التَّأنيث، فلما اجْتَمَعا، قوي التَّأنيث :
أحدهما : أن الأمْثَال في المعنى :« حَسَنات » فجاز التأنيث كقوله :[ الطويل ]
٢٤٠٠-............ ثلاثُ شُخُوصٍ كاعِبَانِ ومُعْصِرُ
أرد بالشُّخُوص : النِّسَاء.
والآخر : أنَّ المُضاف إلى المؤنَّثِ قد يُؤنَّث وإن كان مُذَكَّراً؛ كقوله من قال :« قَطَعْت بَعْضَ أصابِعه »، ﴿ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة ﴾ [ يوسف : ١٠ ].

فصل في هل المراد في العدد التحديد


قال بعضهم : التقدير بالعَشْرَة ليس المراد منه : التَّحْديدُ، بل المُرَادُ منه : الإضْعَاف مُطْلقاً؛ كقول القائل :« إذا أسديت إليَّ معروفاً لأكافِئَنَّكَ بعشر أمْثَالِهِ » وفي الوَعِيد :« لئن كَلَّمْتَنِي [ كلمة ] واحِدَة، لأكَلِّمنَّك عَشْراً » ولا يريدُ التَّحْديد، فكذلك هُنا، ويدُلُّ على أنَّه ليس المراد التَّحْديد، قوله - سبحانه وتعالى- :


الصفحة التالية
Icon