الوزن مبتدأ، وفي الخبر وجهان :
أحدهما : هو الظَّرْف أي : الوزن كائن أو مستقرٌّ يومئذٍ أي : يوم إذ يُسْألُ الرُّسُلُ والمرسلُ إليهم. فحذف الجملة المضاف إليها « إذْ » وعوَّض منها التَّنْوين، هذا مذهب الجُمْهُور خلافاً للأخْفَش. وفي « الحقّ » على هذا الوجه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه نَعْتٌ للوزن أي : الوزن الحق في ذلك اليوم.
الثاني : أنه خبر مبتدأ محذوفٍ كأنَّهُ جوابُ سؤالٍ مقدَّرٍ من قائل يقول : ما ذلك الوزن؟ فقيل : هو الحقُّ لا البَاطِلُ.
الثالث : أنه بدلٌ من الذَّميرِ المستكن في الظَّرْفِ وهو غَرِيبٌ ذكره مَكِيٌّ.
والثاني : من وجهي الخبر أن يكون الخبر « الحق »، و « يومئذ » على هذا فيه وجهان :
أحدهما : أنَّهُ منصوب على الظَّرْفِ ناصبه « الوَزْنْ » أي : يقع الوَزْنُ ذلك اليوم.
والثاني : أنَّهُ مفعول به على السَّعةِ وهذا الثاني ضعيفٌ جدّاً لا حَاجَةَ إليه.
ولمَّا ذَكَرَ أبُو البقاءِ كون « الحق » خبراً، وجعل « يَوْمئذٍ » ظرفاً للوزن قال :« ولا يَجُوزُ على هذا أن يكون صِفَةً، لَئِلاّ يلزم الفَصْلُ بين المَوصُولِ وصِلَتِهِ ».
قال شهابُ الدِّين : وأين الفَصْلُ؟ فإن التركيبَ القرآنيَّ إنما جاء فيه « الحق » بعد تمام الموصول بصلته، وإذا تمَّ الموصول بصلته جاز أن يُوصَفَ. تقول :« ضَرْبُكَ زَيْداً يَوْمَ الجُمْعَةِ الشديدُ حسنٌ ».
فالشَّديدُ صفة لِضَربِكَ. فإنْ تَوَهَّمَ كون الصِّفَةِ محلُّها أن تقع بعد الموصوف وتليه، فَكَأنَّهَا مُقدَّمَةٌ في التَّقدير فَحَصَلَ الفَصْلُ تقديراً فإن هذا لا يُلْتَفَتْ إليه؛ لأنَّ تلك المعمولات من تَتِمَّةِ الموصول فلم تل إلاَّ الموصول وعلى تقدير اعتقاد ذلك له، فالمَانِعُ من ذلك أيضاً صيرورةُ المبتدأ بلا خبر، لأنَّكَ إذا جعلت « يَومئذٍ » ظرَفْاً للوزن و « الحقُّ » صفته فأين خبره؟ فهذا لو سَلِمَ من المانع الذي ذكره كان فيه هذا المانع الآخر.
وقد طوَّلَ مكيٌّ بذكر تقدير « الحقّ » على « يومئذ » وتأخيره عنهُ باعتبار الإعرابات المتقدمة، وهذا لا حَاجَةَ إليه لأنَّا مقيَّدُونَ في القرآن بالإتيان بِنَظْمِهِ. وذكر أيضاً أنه يجوز نصبه، يعني أنَّهُ لو قُرِىءَ به لكان جَائِزاً، وهذا أيضاً لا حاجة إليه.
قوله :« مَوَازِيْنُهُ » فيها قولان :
أحدهما : أنَّها جمع ميزان : الآلة [ التي ] يوزنُ بها، وإنَّمَا جمع؛ لأن كلَّ إنسانٍ له ميزان يخصُّه على ما جاء في التَّفْسير، أو جُمع باعتبار الأعمال الكثيرة وعبّر عن هذا الحال بالمحل.
والثاني : أنَّها جمع موزون، وهي الأعمال، والجمع حينئذٍ ظاهر. قيل : إِنَّمَا جمع الميزان ههنا، وفي قوله :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة ﴾ [ الأنبياء : ٤٧ ] ؛ لأنَّه لا يبعد أن يكون لأفعال القلوب ميزانٌ، ولأفعال الجوارح ميزانٌ، ولما يتعلق بالقول ميزان.