هذه الآيةُ تدلُّ على أنَّ أهْلَ القِيَامَةِ فَريقَانِ، منهم من يزيد حسناته على سيئاته، ومنهم من يزيد سيئاته على حسناته، فأمَّا القسمُ الثَّالثُ، وهُو الَّذين تكُونُ حَسنَاتُهُ وسيئاته متعادلة فإنه غير موجود.
قال أكثر المفسرين : المراد ب ﴿ مَنْ خَفَّت مَوازِينُهُ ﴾ الكافر لقوله تعالى :﴿ فأولئك الذين خسروا أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ ﴾، ولا معنى لكون النْسَانِ ظالماً بآياتِ اللَّه إلاَّ كونه كَافِراً بها مُنْكِراً لها، وهذا هو الكَافِرُ.
وروي أنّه إذا خَفَّتْ حَسَنَاتُ المُؤمِنِ يخرج رسول الله ﷺ بِطَاقَة كالأنْمُلَةٍ فيلقيها في كفَّةِ الميزان اليمنى التي فيها حسناته فترجح، فيقوُلُ ذلك العَبْدُ المُؤمِنُ للنَّبيِّ ﷺ :« بِأبي أنْتَ وأمِّي، ما أحْسَنَ وَجْهَكَ وأحْسَنَ خَلْقَكَ فَمَنْ أنْتَ؟
فَيَقُولُ :»
أنا نَبِّيُكَ مُحَمَّد، وهذه صَلَواتكَ الَّتِي كُنْتَ تُصَلِّيها عَلَيَّ، وقَدْ وَفَيْتُكَ أَحْوَجَ ما تكُونُ إلَيْهَا « رواه الواحِدِيُّ في » البَسيطِ «.
والخبر الذي تقدَّم أيضاً من أنَّهُ تعالى يُلْقِي في كفه الحسنات الكتاب المُشْتَمِلَ علىشهادةِ أنْ لا إله إلاّ الله وأنَّ محمداً رسول الله، وأمَّا قول ابن عباس، وأكثر المفسرين حملوا هذه الآية على أهل الكفر.
وقال أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - حين حضره الموت لعمر بن الخطاب في وصَّيتهِ : إنَّمَا ثقلت مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِيِنُهُ يَوْمَ القِيامَةِ باتِّباعِهِم الحقَّ في الدُّنْيَا، وثقله عليهم، وحُقَّ لميزان يوضع فيه الحقُّ غداً أن يكون ثَقِيلاً، وإنَّما خَفَّتْ مَوَازينُ من خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ باتِّباعِهِم البَاطِلَ في الدُّنْيَا، وخفته عليهم، وحقَّ لميزانٍ يُوضَعُ فيه البَاطِلُ غداً أن يكُونَ خَفِيفاً.
قوله :»
بِمَا كَانُوا « متعلِّقٌ ب » خَسِرُوا «، و » مَا « مَصْدريَّةٌ، و » بِآيَاتِنَا « متعلِّقٌ ب » يَظْلِمُونَ « قُدِّمَ عليه للفَاصِلَةِ. وتعدَّى » يَظْلِمُونَ « بالباءِ : إمَّا لتَضَمُّنِهِ معنى التَّكْذيب نحو :﴿ كَذَّبُواْ بِأَيَاتِنَا ﴾ وإمَّا لِتَضَمُّنِهِ معنى الجَحْدِ نحو ﴿ وَجَحَدُواْ بِهَا ﴾ [ النمل : ١٤ ].


الصفحة التالية
Icon