ف « مذؤوماً مَدْحُوراً » حالان من فاعل « اخرج » عند من يجيز تعدد الحال لذي حال واحدة، ومَنْ لا يُجيز ذلك ف « مَدْحُوراً » صفة ل « مذؤوماً » أو هي حالٌ من الضَّمير في الجارِّ قَبْلَهَا، فيكونُ الحالانِ مُتَدَاخِلَيْنِ.
و « مَذْءُوماً مَدْحُوراً » اسما مفعول مِنْ : ذَأمَهُ وَدَحَرَهُ. فأمَّا ذَأمَهُ فيقالُ : بالهمز : ذَأمَه، يَذْأمُهُ كرَامَه يَرْأمُهُ، وذَامَهُ يَذِمُهُ كبَاعَه يَبِيعُهُ من غَيْر هَمْزٍ، وعليه قولهم :« لنْ تَعْدَمَ الحَسْنَاءُ ذَاماً » يروى بهمزةٍ ساكنةٍ أو ألف، وعلى اللُّغَةِ الثَّانية قول الشاعر :[ الطويل ]

٢٤٢٤ - تَبِعْتُك إذْ عَيننِي عَلَيْهَا غَشَاوَةٌ فَلَمَّا انْجَلَتْ قَطَّعْتُ نَفْسِي أذِيمُهَا
فَمَصْدَرُ المَهمُوز : ذأمٌ كرأس، وأمَّا مصدر غير المهموز فَسُمِعَ فيه ذامٌ بألف، وحكى ابْنُ الأنْبَارِيِّ فيه ذيماً كينعٍ قال : يقال : ذأمْتُ الرَّجُلَ أذْأمُه، وذِمْتُه أذِيْمُه ذَيْماً، وذَمَمْتُه أذُمُّه ذَماً بمعنىً؛ وأنشد :[ الخفيف ]
٢٤٢٥ - وأقَامُوا حَتَّى أبِيرُوا جَمِيعاً فِي مقَامٍ وكُلُّهُمْ مَذْءُومْ
ُّ : العَيْبُ ومنه المثلُ المتقدَّمُ :« لن تَعْدَمَ الحَسْنَاءُ ذاماً » أي كُلُّ امرأة حسنة لا بدَّ أن يكون فيها عيب ما وقالوا :« أرَدْتَ أنْ تُذيمَهُ فمَدَهْتَهُ » أي :« تُعيُبُه فَمَدحْتَهُ » فأبدل الحاء هاء : وقيل : الذَّامُ : الاحتقارُ، ذَأمْتُ الرجل : أي : احْتَقَرْتُهُ، قاله الليثُ.
وقيل : الذَّامُ الذَّمُّ، قاله ابن قيتبة وابن الأنْبَاريِّ؛ قال أمّيَّةُ :[ المتقارب ]
٢٤٢٦ - وَقَالَ لإبْلِيسَ رَبُّ العِبَادِ [ أن ] اخْرُجُ لَعِيناً دَحِيراً مَذُومَا
والجمهور على « مَذْءُوماً » بالهمز.
وقرأ أبُوا جَعْفَرٍ والأعمشُ والزُّهْرِيُّ « مَذُوْماً » بواوٍ واحدةٍ من دون همز وهي تَحْتَمِلُ وجهين :
أحدهما - ولا ينبغي أن يُعْدَلَ عنه - أنَّهُ تَخْفِيف « مذؤوماً » في القراءةِ الشَّهيرةِ بأن أُلْقِيَتْ حَرَكَةُ الهَمْزَةِ على الذَّالِ السَّاكنة، وحُذِفَت الهَمْزَةُ على القاعدةِ المُشْتَهِرَةِ في تَخْفيفٍ مثله، فوزن الكلمة آل إلى « مَفُول » لحَذْفِ العَيْنِ.
والثاني : انَّ هذه القراءة مَأخُوذَةٌ من لغة مَنْ يَقُولُ : ذِمْتُه أذِيمُهَ كبِعْتُهُ أبيِعُهُ، وكان من حقِّ اسم المَفْعُولِ في هذه اللُّغَةِ مَذِيمٌ كمبيع قالوا : إلا أنَّهُ أبْدِلَتِ الواوُ من اليَاءِ على حدِّ قولهم « مَكثولٌ » في « مَكِيلٍ » مع أنَّهُ من الكيل ومثلُ هذه القراءةِ في احْتِمالِ الوجهين قول أمَيَّةَ بْنِ أبي الصَّلْتِ في البيت المُتقدِّمِ أنشده الواحِديُّ على لغةِ « ذَامَهُ » بالألف « يَذِيمُهُ » بالياء، ولَيْتَهُ جعله محتملاً للتَّخْفِيفِ من لُغَةِ الهَمْزِ.
والدَّحْرُ : الطَّرْدُ والإبْعَادُ يقال : دَحَرَهُ، يَدْحَرُهُ دَحْراً، ودُحوراً؛ ومنه :﴿ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً ﴾ [ الصافات : ٨، ٩ ] ؛ وقول أميَّةَ في البيت المتقدم « لَعِيناً دَحِيراً ».
وقوله أيضاً :[ الكامل ]
٢٤٢٧ - وبإذْنِهِ سَجَدُوا لآدَمَ كُلُّهُمْ إلاَّ لَعِيناً خَاطِئاً مَدْحُوراً
وقال الآخرُ :[ الوافر ]


الصفحة التالية
Icon