٢٤٤٧ - إذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بأرْضِ قَوْمٍ | رَعَيْنَاهُ وإنْ كَانُوا غَضَابَا |
وقال ابن عطيَّة :« وأيضاً فَخَلْقُ اللَّه وأفعاله، إنَّما هي من علوٍ في القَدْر والمنزلة »، وقد تقدَّمَ الكلامُ عليه أول الآية.
وفي قراءة عبد الله وأبَيّ « ولِبَاسُ التَّقْوى خَيْرٌ » بإسقاط « ذلك » وهي مقوِّية للقول بالفصل والبدلِ وعَطْفِ البَيَانِ.
وقرأ النَّحْوِيُّ :« ولبُوسُ » بالواو ورفع السِّين. فأمَّا الرَّفع ُفعلى ما تقدَّم في « لباس »، وأمَّا « لبُوسُ » فلم يعينوها : هل هي بفتح اللام فيكون مثل قوله تعالى :﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ﴾ [ الأنبياء : ٨٠ ] ؟ أو بضمِّ اللاَّم على أنَّهُ جمع؟ وهو مشكل، وأكثر ما يُتَخَيَّل له أن يكون جمع لِبْسٍ بكسر اللام بمعنى مَلْبُوسٍ.
قوله :﴿ ذلك مِنْ آيَاتِ الله ﴾ مبتدأ وخبر، والإشارةُ به إلى جميع ما تقدَّم من إنزال اللِّبَاسِ والرِّيش ولباس التَّقْوَى.
وقيل : بل هو إشارة لأقرب مذكور، وهو لباسِ التقوى فقط.
فصل في المراد ب « لباس التقوى »
اختلفوا في لابس التَّقْوَى، فقيل : هو نَفْسُ المَلْبُوسِ، وقيل : غيره. وأما الأوَّلُ ففيه وجوه :
أحدها : هو اللِّبَاسُ المواري للسَّوْءَةِ، وإنَّما أعادَهُ اللَّهُ لأجْلِ أن يخبر عنه بأنَّهُ خير؛ لأنَّ أهل الجاهليَّةِ كاناو يَتَعَبَّدُونَ بالعري في الطَّوافِ بالبَيْتِ، فجرى هذا التَّكْرير مجرى قول القائل :« قد عرَّفْتُكَ الصِّدق في أبواب البرِّ، ولاصِّدْقُ خيرٌ لك من غيره »، فيعيد ذكر الصِّدق لِيُخبرَ عنه بذلك المعنى.
وثانيها : لِبَاسُ التَّقْوَى هو الدُّرُوعُ والجواشن والمَغَافِرُ، وما يُتقى به في الحرُوبِ.
وثاليها : لِبَاسُ التَّقْوَى ما يُلبس لأجْلِ إقامَةِ الصَّلاةِ.
ورابعها : هو الصُّوفُ والثِّيَابُ الخَشِنَةُ التي يلبسها أهل الورع.
وأمَّا القَوْلُ الثَّانِي، فيحمل لباسُ التَّقْوَى على المَجَازِ.
وقال قتادةُ والسُّدِّيُّ وابن جُرَيْج : هو الإيمانُ.
وقال ابن عباس : هو العَمَلُ الصَّالِحُ.
وقال عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ والكلْبِيُّ : السَّمْتُ الحَسَنُ.
وقال الكَلْبِيُّ : العفافُ والتَّوحيدُ؛ لأنَّ المؤمنَ لا تبدو عورته وإن كان عَارياً من الثِّيابِ، والفَاجِرُ لا تزمالُ عورته مَكْشُوفَة وإن كان كاسياً.
وقال عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ : هو خشية الذّم.
وقال الحَسَنُ وسعيدٌ : هو الحياء؛ لأنَّهُ يَبْعَثُ على التَّقْوَى.
وإنما حمل لفظ اللِّباس على هذه المجازات؛ لأنَّ اللِّباسَ الذي يفيد التقوى ليس إلاّ هذه الأشياء.
وقوله :« ذَلِكَ خَيْرٌ » قال أبُو عليٍّ الفارِسِيُّ : معناه : ولباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به، وأقرب إلى اللَّه تعالى مما خلق من اللِّباسِ والرِّيَاشِ الذي يتجمَّلُ به. وأُضيف اللِّبَاسُ إلى التَّقْوَى، كما أُضيف إلى الجُوعِ في قوله :﴿ فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع ﴾ [ النحل : ١١٢ ].
وقوله :﴿ ذلك مِنْ آيَاتِ الله ﴾ أي : الدَّالة على فضله ورحمته على عباده، لعلهم يَذَّكَّرُونَ النِّعْمَةَ.