[ إبراهيم : ٢٢ ].
قال مُجَاهدٌ : قال إبليسُ : إعطينا أربعاً : نَرى ولا نُرى، ونخرج من تَحْت الثرى ويعودُ شيخنا فَتَى.
قوله ﴿ ﴾.
يحتمل أنْ يكون « جعل » بمعنى « صَيَّر »، أي : صيَّرنَا الشَّياطين أولياء.
وقال الزَّهْرَاويُّ « جعل » هنا بمعنى « وصف » وهذا لا يعرف في جعل وكأنه فراراً من إسناد جَعْلِ الشياطين أولياء لغير المؤمنين إلى اللَّهِ تعالى وكأنَّها نزعة اعتزاليَّة.
و « للَّذِينَ » متعلِّقةٌ ب « أولياء » ؛ لأنه في معنى الفعل، ويجوزُ أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ؛ لأنَّه صفة ل « أولياء ».
فصل في المراد ب « أولياء »
معنى « أولياء » أي : أعْوَاناً وقرناء للَّذين لا يُؤمِنُون.
قال الزَّجَّاجُ : سلطناهم عليهم يزيدون في غَيِّهم كقولهم ﴿ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ [ مريم : ٨٣ ] واحتج أهل السنة بهذا النص على أنَّهُ تعالى هو الذي سَلَّطَ الشَّيْطَان عليهم حتى أضلهم واغواهم.
وقالت المُعْتَزِلَةُ : معنى قوله :﴿ إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ هو أنَّا حكمْنَا بأنَّ الشَّيْطَان ولي لمن لا يؤمن، قالوا : ومعنى قوله :﴿ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين ﴾ [ مريم : ٨٣ ] هو أنَّا خلينا بينهم وبينهم كما يقال لمن لا يربط الكلب في داره ولا يمنعه من الوثوب على الداخل أنَّهُ أرسل عليهم كلبه.
والجوابُ أن القائل إذا قال : إن فُلاناً جعل هذا ثوباً أبيضَ أو أسود، لم يفهم منه أنَّهُ حكم به بل يفهم منه أنه حصل السَّواد أو البياض فيه، فكذلك هاهنا وجب حمل الجعل على التَّأثير والتَّحصيل لا على مجرد الحكم وأيضاً فهب أنَّهُ تعالى حكم بِذلكَ لكن مخالفة حكم اللَّهِ توجب كَوْنَهُ كَاذِباً وهو مُحَالٌ، والمفضي إلى المُحَالِ مُحَالٌ، فكون العبد قادراً على خلافِ ذلك؛ وجب أن يكُونَ مُحَالاً وأما قولهم إن قوله تعالى ﴿ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين ﴾ [ مريم : ٨٣ ] أي خلَّينا بينهم وبين الكافرين، فهو ضعيف؛ ألا ترى أنّ أَهل السُّوقِ يؤذي بعضُهُم بعضاً، ويشتمُ بعضهم بعضاً ثم إنَّ زيداً وعمراً إذا لم يمنع بعض لا يُقَالُ إنَّهُ أرسل بعضهم على البعض، بل لفظ الإرْسَالِ إنَّمَا يصدق إذا كان تسلط بعضهم على البعض بسبب من جهته فكذا هاهنا.