٢٤٥٣ - أثَعْلَبَةَ الفَوَارِسِ أمْ رِيَاحاً | عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةَ والخِشَابَا |
٢٤٥٤ - يَا لَيْتَ ضَيْفَكُمُ الزُّبَيْرَ وَجَارَكُمْ | إيَّايَ لَبَّسَ حَبْلَهُ بِحِبَالِي |
قال شهابُ الدِّين : يريدُ بذلك أنَّهُ منصوبٌ بفعلٍ مقدر من معنى الثاني لا من لفظه، هذا وجه التَّنْظِير.
وإلى كون « فَرِيقاً » منصوباً ب « هَدَى » و « فريقاً » منصوباً ب « حقَّ » ذهب الفراء، وجعله نظير قوله تعالى :﴿ يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ والظالمين أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ [ الإنسان : ٣١ ].
قوله :« إنَّهُمُ اتَّخَذُوا » جارمجرى التَّعليل، وإنْ كان استئنافاً لفظاً، ويدلُّ على ذلك قراءة عيسى بن عمر، والعبّاس بن الفضل، وسهل بن شعيب « أنَّهُمُ » بفتح الهمزة، وهي نص في العِلِّيِّة أي : حَقَّتْ عليهم الضلالة لاتِّخاذهم الشياطين أولياء، ولم يُسند الإضلال إلى ذَاتِهِ المقدَّسَةِ، وإن كان هو الفاعل لها تَحْسِيناً للفظ وتعليماً لعباده الأدَبِ، وعليه :﴿ وعلى الله قَصْدُ السبيل وَمِنْهَا جَآئِرٌ ﴾ [ النحل : ٩ ].
فإن قيل : كيف يستقيمُ هذا التَّعْليلُ مع قولكم بأنَّ الهُدَى والضَّلال إنما حصلا بخلق الله ابتداءً؟ فالجوابُ : أنَّ مجموع القدرة والدَّاعي يوجب الفعل والدَّاعية التي دعتهم إلى ذلك الفعل هو أنَّهُم اتخذوا الشَّياطين أولياء.
فصل في دحض شبهة خلق الأفعال
احتحَّ أهْلُ السُّنَّة بهذه الآية على أنَّ الهدى والضلال من الله تعالى.
قالت المعتزلة :« المرادُ فريقاً هدى إلى الجنَّةِ والثَّواب، وفريقاً حقَّ عليهم الضَّلال أي : العذاب والصّرف عن طريق الثَّواب ».
قال القاضي : لأنَّ هذا هو الذي يحقُّ عليهم دون غيرهم، إذا العبد لا يستحق أن يضلّ عن الدِّين، إذ لو استحقّ ذلك لجاز أن يأمر أولياءه بإضلالهم عن الدِّين كما أمرهم بإقامة الحدود المستحقة، وفي ذلك زوال الثِّقَة بالنُّبُوَّات. وهذا الجوابُ ضعيف من وجهين :
الأول : أن قوله « فَرِيقاً هَدَى » إشارة إلى الماضي، وعلى التَّأويل الذي ذكروه يصيرُ المعنى : أنَّهُ تعالى سيهديهم في المستقبل، ولو قال : إنَّ المراد : أنَّهُ تعالى حكم في الماضي أنَّهُ سيهديهم إلى الجنَّةِ كان هذا عُدُولاً عن الظَّاهِرِ من غير حاجة؛ لأنَّهُ قد تبين بالدَّليل القاطع أن الهدى والضلال ليسا إلا من الله تعالى.
والثاني : هب أن المراد من الهداية والضَّلال حكم الله بذلك، إلا أنّه لما حصل هذا الحكم امتنع من العبد صدور غيره، والإلزام انقلاب ذلك الحكم كذباً، والكذب على الله مُحَال، والمفضي إلى المحال محال، فكان صدور خلاف ذلك من العَبْدِ مُحَالاً.
قوله :﴿ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾.
قال ابن عباس : يريد ما سَنَّ لهم عمروُ بْنُ لحَيِّ، وهذا بعيد بل هو محمول على عُمُومِهِ، فكلُّ من شرع في بَاطلِ فهو مستحقٌّ للذم، سواء حسب كَوْنِهِ هدى، أو لم يحسب ذلك، وهذه الآية تدل على أنَّ الكافرَ الذي يظن أنَّهُ في دينه على الحقِّ والجاحد المعاند سواء، وتدلُّ أيضاً على أنَّ مُجَرَّد الظن والحسْبَانِ لا يكفي في صحَّة الدين، بل لا بدَّ فيه من الجَزءمِ والقَطْعِ؛ لأنَّهُ تعالى ذم الكفار بأنهم يحسبون كوْنِهِ مهتدين، ولولا أن هذا الحسبان مذموم وإلاَّ لما ذمهم بذلك.