فإن قيل : إذَا كان الأمر على ما زعمت من معنى الشركة بينهم في الدُّنْيَا، فكيف جاء قوله تعالى :﴿ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾، وهذا مؤذِنٌ ظاهراً بعدم الشركة.
فقد أجَابُوا عن ذلك من أوجه :
أحدها : أنَّ في الكلام حذفاً تقديره : قل هي للذين آمنوا ولغيرهم في الحياة الدنيا خالصة لهم يوم القيامة.
قال أبُو القاسم الكَرْمَانِيُّ : وكأنَّهُ دلَّ على المحذوف قوله بعد ذلك :﴿ خَالِصَةً يَوْمَ القيامة ﴾ إذْ لو كانت خالصة لهم في الدَّارين لم يخص بها أحدهما.
والثاني : أن « لِلَّذينَ آمَنُوا » ليس متعلّقاً بكون مطلق، بل بكون مقيد، يدلُّ عليه المعنى، والتقدير : قل هي غير خَالصَةِ للذين آمنوا لأنَّ المشركين شركاؤهم فيها، خالصة لهم يَوْمَ القيامةِ، قاله الزمخشريُّ، ودلَّ على هذا الكون المقيَّد مقابله وهو قوله :﴿ خَالِصَةً يَوْمَ القيامة ﴾.
الثالث : ما ذكره الزمخشريُّ، وسبقه إليه التبريزي قال :« فإن قلت : هلا قيل [ هي ] للَّذين آمنوا ولغيرهم؟ قلت : التنبيه على أنها خلقت للَّذين آمنوا على طريق الأصال، فإنَّ الكفرة تبع لهم كقوله تعالى :﴿ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ﴾ [ البقرة : ١٢٦ ].
وقال التبريزي : ولم يذكر الشّركة بينهم وبين الذين أشركوا في الدُّنْيَا تنبيهاً على أنَّهُ إنَّما خلقها للذين آمَنثوا بطريق الأصال، والكُفَّار تبع لهم، ولذلك خاطب المؤمنين [ بقوله ] :﴿ هُوَ الذي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً ﴾ [ البقرة : ٢٩ ] وهذا الثالث ليس جوابا ثالثاً، إنما هو مبين لحسن حذف المعطوف في عدم ذكره مع المعطوف عليه.
ثم قال تبارك وتعالى :﴿ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيات ﴾ وقد تقدم.
وقوله :﴿ لِقَوْمِ يَعْلَمُونَ ﴾ أنَّ القوم يمكنهم النظر به والاستدلال حتى يتوصَّلُوا إلى ذلك بتحصيل العلوم النظرية.


الصفحة التالية
Icon