وأمّا ما أنشده الأصمعيُّ من قوله :

٢٤٥٨ - شَرِبْتُ الإثْمَ............. ..........................
نصواعلى أنه مصنوع، وأما غيره فاللَّهُ أعلم «.
وقال بعضُ المفسِّرين :»
الإثم : الذّنب والمعصية «.
وقال الضحاكٌ - رحمه الله - :»
الإثمُ : هو الذَّنْبُ الذي لا حدَّ فيه «.
قوله :﴿ والبغي بِغَيْرِ الحق ﴾ : اعلم أنَّ الَّذين قالوا : المراد ب »
الفواحش « جميع الكبائر، وب » الإثم « جميع الذُّنوب قالوا : إن البغي والشرك لا بد وأن يدخلا تحت الواحش، وتحت الإثم، وإنَّمَا خصّهما الله - تعالى - بالذِّكر تنبيهاً على أنَّهُما أقبح أنواع الذُّنُّوب، كما في قوله تبارك وتعالى :﴿ وملاائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ﴾ [ البقرة : ٩٨ ].
وفي قوله تعالى :﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ ﴾ [ الأحزاب : ٨ ].
وأمَّا الذين خصُّوا الفاحشةَ بالزِّنَا، والإثمَ بالخَمْرِ قالوا : البغي والشرك غير داخلين تَحْتَ الفواحِش والإثم، وإنَّمَا البغي لا يستعملُ إلا في الإقْدَامِ على الغير نفساً، أو مالاً أو عِرْضاً، وقد يراد البغي على سلطان الوقت.
فإن قيل : البغيُ لا يكون غلا بغير الحقِّ، فما الفائدة في ذكر هذا الشرط؟ فالجواب من وجهين :
الأول : أنَّ قوله تعالى »
بِغَيْرِ الحقِّ « حال، وهي حال مؤكدة؛ لأنَّ البَغْيَ لا يكون إلاَّ بغير الحق.
والثاني : أنَّهُ مثل قوله تبارك وتعالى :﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق ﴾ [ الأنعام : ١٥١ ]، والمعنىك لا تُقدمُوا على إيذاءِ النَّاسِ بالقَتْلِ والقهر، إلا أن يكون لكم فيه حق فحينئذ يخرج عن أن يكون بغياً.
وقوله :»
وأنْ تُشْرِكُوا « منصوب المحلِّ نسقاً على مفعول » حرَّم « أي : وحرّم إشراككم عليكم، ومفعول الإشراك ﴿ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً ﴾ وقد تقدَّم بيانه في » الأنعام «، تهكَّم بهم؛ لأنَّهُ لا يجوز أن ينزل برهاناً أن يُشْرَكَ به غيره.
قوله :﴿ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله ﴾ نسق على ما قبله أي : وحرّم قولكم عليه من غير علم، وقد تقدَّم الكلامُ عليه في هذه السُّورة عند قوله ﴿ إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بالفحشآء أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ الأعراف : ٢٨ ].
فإن قيل : كلمة »
إنَّمَا « تفيدُ الحَصْرَ، إنَّمَا حرّم ربي كذا وكذا يفيد الحصر، والمحرمات غير محصور في هذه الأشياء؟
فالجواب : إنْ قُلْنَا إن الفاحشة محمولة على مطلق الكبَائِرِ، والإثم على مطلق الذنب دخل كلّ الذُّنوب فيه، وإن حملنا الفَاحِشَة على الزِّنَا، والإثم على الخمر فنقول : الجنايات محصورةٌ في خمسة :
أحدها : الجنايات على الإنسانيَّة، فهذا إنَّما يحصل بالزِّنَّا، وهو المراد بقوله :﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش ﴾.
وثانيها : الجنايات على العقول، وهي شُرْبُ الخمر، وإليه الإشارة بقوله »
والإثْم «.
وثالثها ورابعها : الجنايات على النُّفوس والأموال، وإليه الإشارة بقوله :﴿ والبغي بِغَيْرِ الحق ﴾.
وخامسها : الجناية على الأديان، وهي من وجهين :
أحدهما : الطَّعْنُ في توحيد الله تبارك وتعالى.
والثاني : الطعن في أحكامه، وإليه الإشارة بقوله :﴿ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾.
فلما كانت الجنايات هذه الأشياء، وكانت البواقي كالفروع والتَّوابع، لا جرم كان ذكرها جارٍ مجرى ذكر الكُلِّ، فأدخل فيها كلمة »
إنَّمَا « المفيدة للحصر.
فإن قيل : الفَاحِشة والإثم هو الذي نهى الله تعالى عنه فصار تقديرُ الآية الكريمة : إنَّمَا حرَّمَ ربي المحرمات، وهو كلام خال عن الفائدة؟
فالجوابُ، كون الفعل فَاحِشة إنَّما هو عبارة عن اشتماله في ذاته على أمور باعتبارها يجب النَّهي عنه فسقط السُّؤال.


الصفحة التالية
Icon