وقوله « بَلْ هي ابتداء وخبر » تسامح في العبارة يريدُ بل الجملة بعدها ثُمَّ الجملة التي في هذا المكان ليست ابتداء وخبر، بل هي جملة فعليّة، وهي قالوا و « إذَا » معموله لها.
وممن ذهب إلى أنَّها ليست للغاية الواحديُّ فإنَّه حكى في معنى الآية الكريمة أقوالاً، ثم قال : فعلى هذا القَوْلِ معنى « حتَّى » للانتهاء والغاية وعلى القولين الأوَّلين ليست « حتى » في هذه الآية الكريمة للغاية بل هي التي يقع بعدها الجمل وينصرف الكلام بعدها إلى الابتداء ك « أما » و « إذا » ولا تعلق لقوله :« حتّى إذا » بما قبله، بل هذا ابتداء خبر أخبر عنهم كقوله في ذلك :[ الطويل ]
٢٤٦١ - فَيضا عَجَباً حَتَّى كُلَيْبٌ تَسُبُّنِي | كَأنَّ أبَاهَا نَهْشَلٌ أوْ مُجَاشِعُ |
وقوله « لا تعَلُّقَ لها بما قبلها » ممنوع على جميع الأقوال التي ذكرها.
والظَّاهِرُ أنِّما تتعلّق بقوله « ينَالُهُمْ نصيبهم ».
فصل في إمالة « حتى »
قال الخليلُ وسيبويه : لا يجوزُ إماة « حتى » و « ألاّ » و « أمَّا » وهذه ألفات ألْزِمَتِ الفتح لأنَّها أواخر حروفٍ جاءت لمعاني يفصل بينها وبين أواخر الأسماء التي فيها الألف نحو : حبلى وهُدَى إلا أن « حتَّى » كتبت بالياء لأنَّها على أربعة أحرف فأشبهت سَكْرَى، قال بعض النحويين : لا يجوز إمالة « حتَّى » لأنَّها حرف لا يتصرف والإمالة ضرب من التصرف.
قوله :« يَتَوَفَّوْنَهُمْ » في محلّ نصب على الحال، وفي المراد بقوله :﴿ رُسُلُنَا يَتَوفَّوْنَّهُمْ ﴾ قولان :
المراد بالرُّسل ملك الموت وبقوله :« يَتَوَفَّوْنَهُم » يقبضون أرواحهم؛ لأنَّ لفظ الوفاة يفيد هذا المعنى. ح
قال ابنُ عبَّاسٍ : إنَّ الملائكة يطالبون بهذه الأشياء عند الموت على سبيل الزّجر والتّوبيخ.
الثاني : قال الحسن والزَّجَّاجُ في أحد قوليه : إنّ هذا لا يكون في الآخر ومعنى قوله :﴿ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ ﴾ أي يتوفون مدتهم عند حشرهم إلى النار بمعنى يستكملون عدتهم حتَّى لا ينفلت منهم أحد.
قوله « أَيْنمَا كُنْتُمْ » أي أين الشّركاء الذين كنتم تَعْبدُونَهُمْ من دون اللَّهِ وكتبت « أينَمَا » متصلة وحقُّها الانفصال، لأنَّ « ما » موصولة لا صلة إذ التقدير : أين الذين تدعونهم ولذلك كتبت ﴿ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ ﴾ [ الأنعام : ١٣٤ ] منفصلاً و ﴿ إِنَّمَا الله ﴾ [ النساء : ١٧١ ] متصلاً.
قوله « ضَلُّوا » جواب من حيث المعنى لا من حيث اللَّفْظ، وذلك أنَّ السُّؤال إنَّما وقع عن مكان الذين كانوا يدعونهم من دون اللَّه، فلو جاء الجوابُ على نسق السُّؤال لقيل : هم في المكان الفلانيّ، وإنَّما المعنى : ما فعل معبودكم ومن كنتم تدعونهم، فأجَابُوا بأنَّهُمْ ضلُّوا عنهم وغابوا.