اختلفوا في هذا القائل، فقال مقاتل :« هو كلامُ خازِنِ النَّارِ »، وقال غيره :« هو كلام اللَّهِ »، وهذا الاختلاف مبني على أنَّ الله - تعالى - هل يتكلَّمُ مع الكفار أم لا؟، وقد تقدمت هذه المسألة.
قوله :« فِي أمَمٍ » يجوزُ أنْ يتعلَّق قوله :« في أمَمٍ » وقوله « في النَّارِ » كلاهما ب « ادْخُلُوا »، فيجيء الاعتراضُ المشهور وهو كيف يتلّق حرفا جرٍّ متحدا اللفظ والمعنى بعامل واحد؟، فيجاب بأحد وجهين :
إمَّا أنَّ « في » الأولى ليست للظَّرفية، بل للمعيّة، كأنَّهُ قيل : ادخلوا مع أممٍ أي : مصاحبين لهم في الدُّخول، وقد تأتي « في » بمعنى « مع » كقوله تعالى :﴿ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ في أَصْحَابِ الجنة ﴾ [ الأحقاف : ٦١ ].
وقول الشاعر :[ الطويل ]

٢٤٦٢ - شَمُوسٌ ودُودٌ فِي حَيَاءٍ وعِفَّةٍ رخِيمَةُ رَجْعِ الصَّوْتِ طَيِّبَةُ النَّشْرِ
وإمَّا بأن « في النَّار » بدل من قول « فِي أمَمٍ » وهو بدل اشتمال كقوله :﴿ أَصْحَابُ الأخدود النار ﴾ [ البروج : ٤، ٥ ].
فإنَّ النَّار بدل من الأخدود، كذلك « في النَّارِ » بدل من « أمَمٍ » بإعاد العامل بدل اشتمال، وتكونُ الظرفية في [ « في » ] مجازاً؛ لأنَّ الأمم ليسوا ظروفاً لهم حقيقة، وإنَّما المعنى : ادخلوا في جملة أمَمٍ وغمارهم.
ويجوز أن تتعلّق « فِي أمَم » بمحذوف على أنَّهُ حال أي : كائنين في جملة أمم.
و « فِي النَّارِ » متعلّق ب « خلت » أي : تسبقكم في النَّارِ.
ويجوز أنْ تتعلَّق بمحذوف على أنَّهُ صفة ل « أمَمٍ » فتكون « أمم » قد وصفت بثلاثة أوصاف :
الأولى : الجملة الفعليّة، وهي قوله « قَدْ خَلَتْ ».
والثاني : الجارّ والمجرور، وهو قوله :﴿ مِن الجن والإنس ﴾.
الثالث : قوله :« فِي النَّارِ »، والتقدير : في أممٍ خالية من قبلكم كائنة من الجنِّ والإنس، ومستقرَّة في النَّارِ.
ويجوز أن تتعلَّق « فِي النَّار » بمحذوفٍ أيضاً، لا على الوَجْهِ المذكور، بل على كونه حالاً من « أمَمٍ »، وجاز ذلك وَإنْ كانت نكرة لتخصُّصها بالوصفين المُشَار إليهما.
ويجوز أن يكون حالاً من الضَّميرِ في « خَلَتْ » ؛ إذ هو ضمير الأمَمِ، وقُدِّمت الجنُّ على الإنس؛ لانَّهم الأصل في الإغواء.
قوله :« كُلَّما دَخَلتْ » تقدَّم نظيرها، وهذه الجملة يحتمل أنتكون صفة ل « أمم » أيضاً، والعائد محذوفٌ أي : كلما دخلت أمة منهم أي : من الأمَمِ المتقدَّمةِ لعنت أمتها، والمعنى : أن أهل النّار يلعنُ بعضهم بَعْضاً، ويتبرَّأ بعضهم مِنْ بَعْضٍ كما قال تعالى :﴿ الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين ﴾


الصفحة التالية
Icon