﴿ فأولئك لَهُمْ جَزَآءُ الضعف ﴾ [ سبأ : ٣٧ ] لم يُرِدْ به مِثْلاً ولا مِثْلَيْن، وأوْلَى الأشياء به أن يُجْعل عشرةَ أمثاله كقوله تعالى :﴿ مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ [ الأنعام : ١٦٠ ] فأقلُّ الضّعف محصور وهو المِثْلُ وأكثره غير محصورٍ «.
ومثل هذه المقالة قال الزَّجَّاجُ أيضاً فإنَّهُ قال : أي عذاباً مضاعفاً؛ لأنَّ الضعف في كلام العرب على ضربين :
أحدهما : المِثْلُ، والآخر : أن يكون في معنى تضعيف الشيء أي زيادته إلى ما لا يتناهى، وقد تقدَّم طرف من هذا في البقرة.
وأما قول الشَّافعيِّ في »
الوصيَّة « : إنَّهُ المثل، فلأن التركة متعلقة بحقوق الورثة، إلا أنَّا لأجل الوصيّة صرفنا طائفة منها إلى الموصى له، والقدر المتيقن في الوصيّة هو المثل، والباقي مشكوك فيه فيأخذ المتيقّن ويطرح المشكوك فيه فلهذا السّبب حملنا الضِّعْفَ في الوصيَّة على المثلين.
قوله :»
ضعْفاً « صفة ل » عذاباً، و « من النَّارِ » يجوز أن يكون صفة ل « عذاباً »، وأن يكون صفة ل « ضعْفاً »، ويجوز أن يكون « ضعفاً » بدلاً من « عذاباً ».
قوله :« لِكُلِّ » أي : لكلّ فريق من الأخرى، والأولى أو القادة والأتباع.
قوله :﴿ ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ ﴾ قراءة العامّة بتَاءِ الخطاب : إمَّا خطاباً للسَّائلين، وإمَّا خطاباً لاهل الدُّنيا أي : ولكن لا تعلمون ما أعدَّ من العذاب لكل فريق.
وقرأ أبثو بَكْرِ عن عاصمٍ بالغيبة، وهي تحتمل أن يكون الضَّمير عائداً على الطائفة السّائلة تضعيف العذاب، أو على الطّائفتين، أي : لا يعلمون قَدْر ما أعدَّ لهم من العذاب.
فإن قيل : إن كان المراد من قوله : لكلّ أحد من العذاب ضعف ما يستحقه، فذلك غير جائز؛ لأنَّهُ ظلم، وإن لم يكن المراد ذلك فما معنى كونه ضعفاً؟.
فالجوابُ : أنَّ عذاب الكفَّار يزيد فكل ألم يحصل فإنَّهُ يعقبه حصول ألم آخر إلى غير نهاية، فكانت تلك الآلام متضاعفة متزايدةٍ لا إلى آخر.


الصفحة التالية
Icon