أي بين أصحاب الجنَّة وأصحاب النَّار، وهذا هو الظَّاهر كقوله :﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ ﴾ [ الحديد : ١٣ ].
وقيل : بين الجنَّة والنَّار، وبه بدأ الزَّمخشريُّ.
فإن قيل : وأي حاجة إلى ضرب هذا السُّورِ بين الجنَّة والنَّار، وقد ثبت أن الجنَّة. فوق والنَّار في أسفل السَّافِلِينَ؟.
فالجوابُ : بُعد إحداهما عن الأخر لا يمنعُ أن يحصل بينهما سور وحجاب.
قوله :« وَعَلى الأعْرَافِ » : قال الزَّمَخْشَرِيُّ : أي : وعلى أعراف الحجاب.
قال القرطبيُّ : أعراف السّور وهي شُرَفُه، ومنه عُرْفُ الفَرَسِ وعرف الدِّيكِ، كأَنَّهُ جعل « أل » عوضاً من الإضافة وهو مذهب كوفي، وتقدَّم تحقيقه.
وجعل بعضهم نفس الأعْرَافِ هي نفس الحِجابِ المتقدم ذكره، عبر عنه تارةً بالحجاب، وتارةً بالأعراف.
قال الوَاحِديُّ - ولم يذكر غيره - :« ولذلك عُرِّفَت الأعراف؛ لأنَّهُ عني بها الحِجَاب » قال ابن عباس.
والأعراف : جمع عُرْف بضمِّ العَيْنِ، وهو كلُّ مرتفع من أرض وغيرها استعارةً من عُرْف الدّيك، وعُرْف الفرس.
قال يَحْيَى بْنُ آدَمَ : سألت الكِسَائِيَّ عن واحد الأعراف فسكت، فقلت : حدثتنا امرأتك عن جَابِرٍ عن مُجَاهِدٍ عن ابن عباس قال :« الأعراف سُورٌ له عرف مثل عرف الدِّيك » فقال : نعم، وإن واحده عُرْفُ بعيرٍ، وإن جماعته أعْرَاف، يا غُلام هات القرطاس كأنَّهُ عرف بارتفاعه دون الأشياء المنخفضة، فإنَّهَا مجهولة غالباً.
قال أمية بن أبي الصلت :[ البسيط ]
٢٤٧٠ - وَآخَرُونَ عَلَى الأعْرَافِ قَدْ طَمِعُوا | فِي جّنَّةٍ حَفَّهَا الرُّمَّانُ والخَضِرُ |
٢٤٧١ - كُلُّ كِنَازِ لَحْمِهِ نِيَافِ | كالجَبَلِ المُوفِي عَلَى الأعْرَافِ |
٢٤٧٢ - فَظَلَّتْ بأعْرَافٍ تَعَادَى كأنَّهَا | رَمَاحٌ نَحَاهَا وِجْهَةَ الرِّيحِ رَاكِزُ |
قال المهدويُّ :« إنَّهم عدول القِيَامَةِ الذين يَشْهَدُونَ على النَّاس بأعمالهم، وهم في كُلِّ أمَّةٍ »، واختار هذا القول النَّحَّاسُ وقال :« هو من أحسن ما قيل فيه، فهم على السور بين الجنَّةِ والنَّارِ ».
فأمَّا القائلون بالقول الأوَّلِ فقد اختلفوا في الذين هم على الأعراف على قولين :
فقيل : هم الأشْرَافُ من أهل الطَّاعَةِ، وقال أبو مجلز :« هم ملائكة يعرفون أهل الجنَّة وأهل النَّار »، فقيل له : يقول الله - تعالى - ﴿ وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ ﴾، وتزعم أنَّهُمْ ملائكة، فقال :« الملائكة ذكور لا إناث ».