الثالث : قال عَبْدُ الله بْنُ الحَارثِ :« إنَّهُم مَسَاكِينُ أهْلِ الجَنَّةِ ».
الرابع : قيل : إنَّهُمُ الفُسَّاقُ من أهل الصَّلاة يعفو اللَّه عنهم ويسكنهم في الأعراف.
وأمّا القَوْلُ الثَّاني بأن الأعراف عبارة عن الرّجال الذين يعرفون أهل الجنّة والنَّار، فهذا قول غير بعيد؛ لأنَّ هؤلاء الأقوام لا بدّ لهم من مكان عال، يشرفون منه على أهل الجَنَّةِ وأهل النَّارِ.
قوله :« يَعْرِفُونَ » في محلِّ رفع نعتاً ل « رِجَال »، و « كلاًّ » أي : كل فريق من أصْحَابِ الجنَّةِ، وأصحاب النَّارِ.
قوله :« بِسِيمَاهُمْ » قال ابْنُ عبَّاس :« إنَّ سيما الرجل المسلم من أهل الجَنَّة بياض وجهه. قال تعالى :﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ [ آل عمران : ١٠٦ ] [ وكون وجوههم وجوههم ]. وكون وجوههم عليها غبرة ترهقها قترة، وكون عيونهم زرقاً ».
وقيل : إنَّ أصحاب الأعْرَافِ كَانُوا يَعْرِفُونَ المُؤمنينَ في الدنيا بظهور علاماتِ الإيمانِ والطَّاعة عليهم، ويعرفون الكافرين في الدُّنْيَا أيضاً بظهور علامات الكُفْرِ والفِسْقِ عليهم، فإذا شَاهَدُوا أولئك الأقوام في مَحْفَلِ القيامة ميزوا البعض عن البعض بتلك العلامات التي شاهدوها عليهم في الدُّنْيَا، وهذا هو المختار؛ لأنَّهُم لمَّا شاهدوا أهل الجَنَّةِ [ في الجنة ] وأهل النَّار في النَّار فأيّ حاجة إلى أن يستدلّ على كونهم من أهل الجَنَّة بهذا العلامات؟ لأنَّ هذا يجري مجرى الاستدلال على ما علم وجوده بالحسّ، وذلك باطل.
والآية تدلُّ على أنَّ أصحاب الأعْرَافِ مختصُّون بهذه المعرفة فلو حملناه على هذا الوَجْهِ لم يبقَ لهذا الاختصاص فائدة؛ لأنَّهَا أمور محسوسة، فلا يختص بمعرفتها شخص دون شخص.
قوله :﴿ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الجنة أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ﴾.
والمعنى : أنَّهُم إذا نظروا إلى أهل الجنَّةِ سلّموا على أهلها والضمير في « نَادُوا » وما بعده لرجال.
وقوله :﴿ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ﴾ كقوله :﴿ أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين ﴾ [ الأعراف : ٤٤ ] إلا أنَّهُ لم يقرأ هنا إلاّ ب « أن » الخفيفة فقط.
فصل في معنى السلام في الآية
والمعنى : يَقُولُون لهم : سلام عليكم، وقيل : سلمتم من العقوبة، وقوله :« وَهُمْ يَطْمَعُونَ » على هذا التأويل يعني وهم يعلمون أنَّهُمْ يدخلوها، وذلك معروف في اللُّغَةِ أن يكون طمع بمعنى علم، ذكره النَّحَّاسُ، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود وغيرهم أنَّ المراد أصحاب الأعراف.
قال القطربيُّ : قوله « لم يدخلوها » في هذه الجملة أوجه :
أحدها : أنَّها حال من فاعل « نَادوا » أي : نادى أهل الأعراف حال كونهم غير داخلين الجنَّة.
وقوله :« وهُمْ يَطْمَعُون » يحتمل أن يكون حالاً من فاعل « يَدْخُلُوهَا »، ثم لك اعتباران بعد ذَلِكَ.
الأول : أن يكون المَعْنَى لم يَدخُلُوها طامِعِينَ في دخولها بل دخلوها على يأس من دخولها.
والثاني : المعنى لم يدخلوها حَالَ كونهم طامعين، أي : لم يدخلوها بعد، وهم في وقت عَدَمِ الدُّخُولِ طامعون، ويحتمل أن يكون مستأنفاً خبر عنهم بأنَّهُم طامعون في الدُّخُول.