ويجوز أن تكون « أوْ نُرَدَّ » من باب « لألزمنَّك أو تقضيني حقّي » إذا قدرناه بمعنى : حتّى تقضيني، أو كي تقضيني، غَيَّا اللزوم بقضاء الحق، أو علله به فكذلك الآية الكريمة أي : حتى نُرَدَّ أو كي نرد، والشفاعة حينئذٍ متعلِّقَةٌ بالرَّدِّ ليس إلاَّ.
وأمَّا عند من يُقدِّر و « أو » بمعنى « إلاّ » في المثال المتقدم وهو سيبويه، فلا يظهر معنى الآية عليه؛ إذ يصير التقدير :« هل يشفع لنا شفعاء إلا أن نردّا »، وهذا استثناء غير ظاهر.
فصل في معنى الآية
المعنى أنَّهُ لا طريق لنا إلى الخلاص مما نحن فيه إلا أحَدُ هذين الأمرين، وهو أن يشفع لنا شفيعٌ فيزول عنَّا هذا العذابُ، أو نُردَّ إلى الدُّنْيَا حتى نعمل غير ما كنَّا نعمله حتى نوحد اللَّه بدلاً عن الكفر. ثمَّ بيَّن تعالى أنَّهُمْ ﴿ قَدْ خسروا أَنْفُسَهُمْ ﴾. أي الذي طلبوه لا يكون؛ لأن ذلك المطلوب لو حَصَلَ لما حكم اللَّهُ عليهم بأنَّهُم قد خَسِرُوا أنفسهم.
قوله :﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾.
« ما كانوا » « ما » موصولة عائدها مَحْذُوفٌ، و « مَا كَانُوا » فاعل « ضلَّ »، والمعنى : أنَّهُم لم ينتفعوا بالأصْنَامِ التي عبدوها في الدُّنْيَا.
فصل في دحض شبهة للمعتزلة
قال الجُبَّائِيُّ : هذه الآية تدل على حكمين :
الأول : أنَّها تَدُلُّ على أنَّهُم كانوا في حال التَّكْلِيفِ قادرين على الإيمان والتَّوبة، فلذلك سألوا الرّدّ ليؤمنوا ويتوبوا، ولو كانوا في الدُّنيا غير قادرين - كما يقوله المجبرة - لم يكن لهم في الردّ فائدة، ولا جاز أن يسألوا ذلك.
الثانيك أنَّ الآيَة تَدُلُّ على بُطْلانِ قول المجبرة بأنَّ أهْلَ الآخرة مكلفون، لأنَّهُ لو كان كذلك لما سألوا الرّدَّ إلى حال وهم في الوَقْتِ على مثلها، بَلْ كانوا يتوبون ويؤمنون في الحال.