فصل في بيان حركة الشمس


قال ابن الخطيب : إن الشَّمْس لها نوعان من الحركة :
أحدهما : حَرَكَتُهَا بحسب ذاتِهَا، وهي إنما تتم في سَنَةٍ كامِلَةٍ وبسبب هذه الحركة تحصلُ السَّنةُ.
والنوعُ الثاني : حركتها بحسب حركة الفلك الأعظم، وهذه الحركة تَتِمُّ في اليومِ بليلته.
وإذا عُرف هذا فنقول : اللَّيْلُ والنَّهَارُ لا يحصل بحركة الشَّمْس، وإنَّمَا يحصلُ بسبب حركةِ السَّماءِ الأقصى التي يقالُ لها : العَرْشُ، فلهذا السبب لمَّا ذكر العَرْشَ بقوله :﴿ ثُمَّ استوى عَلَى العرش ﴾ ربط به قوله :﴿ يُغْشِي الليل النهار ﴾ تنبيهاً على أنَّ سبب حُصُول اللَّيْلِ والنَّهارِ هو حركة الفلك الأقصى، لا حركة الشمس والقمر، وهذه دقيقةٌ عجيبةٌ.
قوله :﴿ أَلاَ لَهُ الخلق والأمر ﴾.
يجوزُ أن يكون مَصْدراً على بابِهِ، وأن يكُونَ واقِعاً مَوْقِعَ المفعوُولِ به.
« لَهُ الخَلْقُ » ؛ لأنَّهُ خلقهم، و « الأمْرُ » : يأمر في خلقه بما يشاء قال سفيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. فرّق الله بين الخلق والأمر، فمن جمع بَيْنَهُمَا فقد كَفَرَ.
« تَبَارَكَ اللَّهُ » أي : تعالى الله وتعظم.
وقيل : ارتفع، والمباركُ : المرتفعُ.
وقيل : تَبَارَكَ : تَفَاعَل، من البَرَكَةِ وهي النَّمَاءُ والزِّيَادَةُ، أي : البركةُ تكسب، وتنالُ بذكْرِهِ.
وعن ابن عَبَّاسِ قال : جَاءَ بِكُلِّ بَرَكَةٍ.
وقال الحسنُ : تَجِيءُ البَرَكَةُ من قِبَلِهِ.
وقيل : تبارك : تَقَدَّس، والقُدْسُ : الطهارة.
وقال المحقِّقُونَ : معنى هذه الصِّفَةِ، ثبت ودام كما لم يزل ولا يزال، وأصلُ البركةِ الثُّبُوتُ ويقال : تَباركَ اللَّهُ ولا يقال : يتباركُ ولا مباركٌ؛ لأنَّهُ لم يرد به التَّوقيف.
وقوله :« رَبُّ العَالمينَ » والعالمُ : كلُّ موجود سوى الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon