وبهذا قال جماعةٌ كثيرةٌ، إلا أنَّ ذلك غير مقيس في المُفْرَدِ وفي الجمع، أعني أنه لا يَنْقَاسُ فعول بمعنى مفعول لا تقُولُ : زيد ضروب ولا قتول بمعنى مضروب ومقتول، ولا ينقاسُ أيضاً جمع فَعُول بمعنى مفعول على فُعُل. فَحَصَلَ في هذه القراءة ستَّة أوْجُهٍ :
الأول : أنَّها جمع لناشرٍ بمعنى : ذا نشر ضدَّ الطيِّ.
الثاني : جمع ناشِرُ بمعنى : ذي نشور.
الرابع : جمع ناشر بمعنى مُنْشِرٍ.
الخامس : جمع نُشورٍ بمعنى : فاعلٍ.
السادس : جمع نُشورٍ بمعنى : مَفْعول.
وقرأ ابن عامر بضمِّ النُّون وسكون الشين، وهي قراءة ابن عبَّاس، وِزرِّ بين حُبَيْشٍ، ويحيى بن وثَّابٍ، والنَخَعيِّ وابن مصرف، والأعمش، ومَسْرُوقٍ، وتخريجها بما ذكر في القراءة قبلها، فإنَّهَا مخفَّفة منها، كما قالوا : رُسْل في رُسُل وكُتْب في كُتُب، فَسكّنوا الضمَّة تخفيفاً، وإذا كَانُوا قد فعلوا ذلك في المفرد، الذي هو أخفُّ من الجَمْعِ كقولهم في عُنُقٍ : عُنْقٌ، وفي طُنُبٍ : طُنْبٌ، فما بالهم في الجمع الذي هو أثقل من المفرد؟
وقرأ الأخوان :« نَشْراً » بفتح النُّونِ وسكون الشِّين، ووجهها أنَّهَا مَصْدَرٌ واقع موقع الحَالِ بمعنى ناشرة، أو منشورة، أو ذاتُ نَشْرٍ [ كُلُّ ذلك على ما تقدَّم في نظيره.
وقيل : نَشْراً مصدر مؤكِّد؛ لأنَّ أرسل، وأنْشَرَ متقاربان.
وقيل : نَشْراً ] مصدر على حذف الزَّوائد أي : إنشاراً، وهو واقع موقع الحال أي : مُنْشِراً، أو مُنْشَراً حسب ما تقدَّم في ذلك.
وقرأ عَاصِمٌ :« بُشْراً » بالبَاءِ الموحَّدَةِ مضمومة وسكون الشِّين، وهو جمع بشيرة كنذيرة ونُذُر. وقيل : جمع فعيل كَقَلِيبٍ وقُلُب ورغيب ورُغُف، وهي مأخوذةٌ في المعنى من قوله تعالى :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ ﴾ [ الروم : ٤٦ ] أي تبشّرُ بالمطر، ثم خفِّفت الضَّمَّةُ كما تقدَّم في « النُّشُر »، ويؤيِّدُ ذلك أنَّ ابن عباس والسُّلمي وابن أبي عبلة قرأوا بضمِّهَا، وهي مرويَّة عن عاصم نفسه فهذه أرْبَعُ قراءات في السَّبْع.
والخامسة : ما ذكرناه عن ابن عباس ومن معه.
وقرأ مسورق :« نَشَراً » بفتح النُّونِ ولاشِّين وفيها تخريجان :
أحدهما : نقله أبُو الفتحِ : أنَّهُ اسم جمعٍ ك « غَيَب » وَ « نشأ » لغائبة وناشئَةٍ.
والثاني : أنَّ فَعَلاً بمعنى مفعول كَقَبَضَ بمعنى مَقْبُوضٍ.
وقرأ أبُو عبد الرحمن :« بَشْراً » بفتح الباء وسكون الشِّين ورُويت عن عاصم أيضاً على أنه مصدر « بَشَر » ثلاثياً.
وقرأ ابن السَّمَيْفَع :« بُشْرى » بزنة رُجْعَى، وهو مصدر أيضاً، فهذه ثَمَان قِراءاتٍ :
أربع مع النُّونِ، وأربع مع الباء، هذا ما يتعلَّقُ بالقراءات، وما هي بالنِّسْبَةِ إلى كونها مفردة أو جمعاً.
وأمَّا نَصْبُها فإنَّها في قراءة نَافِعٍ، ومن معه وابن عامر منصوبة على الحال من « الرِّياح » أو « الرِّيح » حسب ما تقدَّم من الخلاف وكذلك هي في قراءة عَاصِمٍ، وما يشبهها.


الصفحة التالية
Icon