[ قال السمين : ولا ينبغي أن ينسب ذلك إلى هذه الغاية التي ذكرها أبو الهيثم ].
قال ابن الخطيب ومما يقوِّي هذا الوجه أنه لو كان المارد نفخ الروح في تلك الصورة لأضاف ذلك إلأى نَفْسِه، لأن نَفْخَ الأرواح في الصور يضيفه الله إلى نفسه؛ كقوله :﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ﴾ [ الحجر : ٢٩ ] وقال :﴿ فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا ﴾ [ التحريم : ١٢ ] وقال ﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ﴾ [ المؤمنون : ١٤ ]، وأما نفخ الصور بمعنى النَّفخ في القَرْنِ، فإنه تعالى يضيفه لا إلى نفسه كا قال تعالى :﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور ﴾ [ المدثر : ٨ ] وقال :﴿ وَنُفِخَ فِي الصور فَصَعِقَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَآءَ الله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُون ﴾ [ الزمر : ٦٨ ].
وقال الفراء :« يُقَال : نفخ في الصور، ونفخ الصور »، وأنشد :[ البسيط ]
٢٢٠٦- لَوْلاَ ابْنُ جَعْدَةَ لَمْ يُفْتَحْ قُهَنْدُزُكُمْ | ولا خُرَاسَانُ حَتَّى يُنْفَخَ الصُّورُ |
أحدها : أن يكون صِفةً ل « الذي » في قوله :« وهو الذي خلق »، وفيه بُعْدٌ لطُولِ الفَصْلِ بأجنبي.
الثاني : أنه خبر مضمر أي : هو عالم.
الثالث : أنه فاعل لقوله :« يقول » أي : يوم يقول عالم الغيب.
والرابع : أنه فاعل بفعل محذوف يَدُلُّ عليه الفعل المبني للمفعول؛ لأنه لما قال :« ينفخ في الصور » سأل سَائِلٌ فقال : من الذي يَنْفُخُ فيه؟ فقيل :« عَلِمُ الغَيْبِ »، أي : ينفخ فيه عالم الغيب، أي : يأمر بالنَّفْخِ فيه لقوله تعالى :﴿ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال رِجَالٌ ﴾ [ النور : ٣٦، ٣٧ ] أي : تُسَبِّحُهُ.
ومثله أيضاً قول الآخر :[ الطويل ]
٢٢٠٧- لِيُبْكَ يَزِيدُ ضَارعٌ لِخُصُومَةٍ | وَمُخْتبِطٌ مِمَّا تُطِيحُ الطَّوَائِحُ |
ومثله :﴿ وكذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ المشركين قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ ﴾ [ الأنعام : ١٣٧ ] في قراءة من يبني « زُيِّنَ » للمفعول ورفع « قَتْلُ »، و « شركاؤهم » كأنه قيل : من زَيَّنَهُ لهم؟ فقيل : زَيَّنَهُ شُركَاؤهُمْ، والرفع على ما تقدم قراءة الجمهور.
وقرأ الحسن البصري والأعمش :« عالم » بالجر وفيها ثلاثة أوجه :
أحسنها : أنه بدل من الهاء في « له ».
[ الثاني : أنه بدل من « رب العالمين »، وفيه بُعْدٌ لطول الفصل بين البدل والمبدل منه ].
الثالث : أنه نعت للهاء في « له »، وهذا إنما يتمشى على رأي الكسائي حيث يُجِيزُ نعت المضمر بالغائب، وهو ضعيف عند البصريين والكوفيين غير الكسائي.
فصل في بيان المقصود من ذكر أحوال البعث
أعلم أنه - تعالى - ما ذكر أحوال البعث في القيامة إى وقرَّ فيه أصلين :
أحدهما : كونه قادراً على المُمْنكِنَاتِ.
والثاني : كونه عالماً بكل المعلومات؛ لأن بقدير : ألاَّ يكون قادراً على كل الممكنات لم يَقْدِرْ على البعث والحشر، وردِّ الأرواح إلى الأجساد، وبتقدير ألاَّ يكون عالماً بجميع الجزئيات لم يَصِحَّ ذلك فيه؛ لأنه ربما اشْتَبَهَ المُطِيعُ بالعاصي والمؤمن بالكافر، فلا يحصل المَقْصُودُ الأصلي من البعث والقيامة، أما إذا ثبت حصول هذهين الصفتين، كمل الغرض، فقوله :﴿ وَلَهُ الملك يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور ﴾ يدل على كمال القُدْرَةِن وقوله ﴿ عَالِمُ الغيب والشهادة ﴾ يدلُّ على كمال العلم، فلزم بمجموعهما أن يكون قوله حقاً وحكمة وصدقاً، وقضاياه مُبَرَّأةً عن الجَوْرِ والعبثِ، ثم قال تعالى :﴿ وَهُوَ الحكيم الخبير ﴾ والحكيم : هو المصيب في أفعاله، والخبير : هو العالم بحقائقها من غير اشْتِبَاهٍ.
والله أعلم.