فصل في إعجاز الناقة


اختلفوا في وجه كون النَّاقة آيةً :
فقال بعضهم :« كانت آية بسبب خروجها بكمالها من الصخرة ».
قال القاضي : إن صحَّ هذا فهو معجزٌ من جهاتٍ :
أحدها : خروجها من الجَبَلِ.
والثانية : كونها لا من ذَكَرٍ وأنثى.
والثالثة : كمالُ خَلْقِها من غير تَدْرِيجٍ.
وقيل : إنّضما كانت آية؛ لأجل أنَّ لها شرب يوم، ولجميع ثمود شرب يوم، واستيفاء ناقةِ شرب أمَّة من الأمَمِ عجيب.
وقيل : إنَّما كانت آيَة؛ لأنَّهُم كانوا في شربها يحلبون منها القدر الذي يقوم مقام الماء في يوم شربهم.
وقال الحسَنُ بالعكس من ذلك فقال : إنَّها لم تحلب قطرة لبن قط.
وقيل : وجه كونها آية أن يوم مجيئها إلى الماء، كانت جميع الحيوانات تمتنع من الوُرُودِ على المَاءِ، وفي يوم امتناعها تَرِدُ جميع الحيوانات.
واعلم أنَّ القرآن قد دلَّ على أنَّها آية، ولكن من أي الوُجُوه؟ فليس في القرآن ذكره.

فصل في تخصيص الناقة بهؤلاء القوم


فإن قيل : تلك النَّاقَةُ كانت آية لكلِّ أحد، فلم خصّ أولئك القوم بها بقوله :« لَكُمْ آيَة ».
فالجوابُ : من وجهين :
الأول : أنَّهم عاينوها، وغيرهم أُخبروا عنها، ولَيْسَ الخبر كالمُعاينة.
الثاني : لَعلَّه يثبت سائر المعجزات، إلاَّ أنَّ القَوْمَ التمسوا من صَالح هذه المعجزة نفسها على سبيل الاقْتِرَاح، فأظهرها الله تعالى لهم، فلهذا المعنى حسن هذا التخصيص.
قوله :« فَذَرُوهَا تَأْكُلْ » أي : العشب في أرض اللَّهِ، أي : ناقة الله، [ فذروها تأكل في أرض ربَّها، فليست الأرض لكم ولا ما فيها منن النبات من إنباتكم.
وقيل : يجوز تعلقه بقوله :« فَذَرُوهَا »، وعلى هذا فتكون المسألة من التَّنازع وإعمال الثَّاني، ولو أعمل الأوَّل لأضمر في الثَّاني فقال :﴿ تَأْكُلْ في أَرْضِ الله ﴾ وانجزم « تأكلْ » جواباً للأمر وقد تقدَّم الخلافة في جازمه : هل هو نفس الجملة الطَّلَبِيَّةِ أو أداء مقدّرة؟.
وقرأ أبو جعفر :« تَأكُلُ » برفع الفِعْلِ على أنَّهُ حال، وهو نظير :﴿ فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي ﴾ [ مريم : ٥، ٦ ] رفعاً وجزماً.
قوله :﴿ وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء ﴾ أي لا يمسوها بسوء الظاهر أن « الباء » للتعدية، أي : لا توقعوا عليها سوءاً ولا تلصقوه بها. ويجوز أن تكون للمصاحبة، أي : لا تمسُّوها حال مصاحبتكم للسُّوء.
قوله :« فَيَأخُذَكُمْ » نصب على جواب النَّهْي، أي : لا تجمعوا بين السمّ بالسّوء وبين أخذ العذاب إيَّاكم، وهم وإنْ لم يكن أخذ العذاب لهم من صنعهم إلا أنَّهم تعاطوا أسبابه.
قال ﷺ لعلي بن أبي طالب :« أشْقَى الأوَّلِيْنَ عَاقِرُ نَاقَةِ صالحٍ، وأشْقَى الآخَرِيْنَ قَاتِلُكََ »


الصفحة التالية
Icon