قوله تعالى :﴿ قَالَ الملأ الذين استكبروا ﴾ هم الرؤساء ﴿ لَنُخْرِجَنَّكَ ياشعيب ﴾ ونخرج أتباعك من قريتنا.
وقوله :﴿ والذين آمَنُواْ ﴾ عطف على الكاف، و « يا شعيبُ » اعتراض بين المتعاطفين.
قوله :﴿ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾ عطف على جواب القسم، إذ التقدير : والله لنخرجنَّكَ والمؤمنين أو لتعودُنَّ، فالعَوْدُ مُسند إلى ضمير النبي ومَنْ آمن معه.
فإن قيل : إن شعيباً لم يكن قطّ على دينهم ولا ملتهم، فكيف يحسن أن يقال :« أو لتعودن في ملتنا »، وقوله :﴿ قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِباً ﴾ يدل أيضاً على ذلك؟.
فالجواب : إن « عاد » في لسان العرب لها استعمالان.
أحدهما - وهو الأصل - أنه الرجوع إلى ما كان عليه من الحال الأول.
والثاني : استعمالُها بمعنى « صار »، وحينئذ ترفعُ الاسم وتنصبُ الخبرَ، فلا تكتفي بمرفوع وتفتقر إلى منصوب، [ وهذا عند بعضهم ] ومنهم من منع أن تكون بمعنى « صار » فمن مجيئها بمعنى « صار » قوله :[ الطويل ]
٢٥٢٠ - وَرَبَّيْتُهُ حَتَّى إذَا ما تَرَكْتُهُ | أخَا القَومِ واسْتَغْنَى عَنِ المَسْحِ شَارِبُهَ |
وَبِالْمَحْضَ حَتَّى عَادَ جَعْداً عَنَطْنَطاً | إذَا قَامَ سَاوَى غَارِبَ الفَحْلِ غَارِبُهْ |
٢٥٢١ - فَإنْ تَكُنْ الأيَّامُ أحْسَنَ مُدَّةً | إليَّ فَقَدْ عَادَتْ لَهُنَّْ ذُنُوبُ |
أحدها : أن هذا القول من رؤسائهم، قصدوا به التلبيس على العوام، والإيهام لهم أنه كان على دينهم وفي مِلَّتِهِمْ.
الثاني : أنهم خاطبوا شعيباً بخطاب أتباعه، وأجروا عليه أحكامهم.
الثالث : أن يُراد بعَوْده رجوعُه إلى حالة سكوته قبل بعثته؛ لأنه قبل أن يبعث إليهم كان يُخْفي إيمانه، وهو ساكت عنهم بريء مِنْ معبودهم غير الله.
وعدَّى « عاد » ب « في » الظرفية، كأن المِلَّة لهم بمنزلةِ الوعاءِ المحيط بهم.
قوله :﴿ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ﴾ الاستفهامُ للإنكار تقديره : أيوجدُ منكم أحد هذين الشيئين : أعني الإخراج من القرية، والعَوْد في الملة على كل حال حتى في حال كراهتنا لذلك؟.
وقال الزمخشري :« الهمزةُ للاستفهام، والواوُ واو الحال تقديره : أتعيدوننا في ملَّتكم في حال كراهتنا ».
قال أبو حيان :« وليست هذه واو الحال، بل واو العطف، عطفت هذه الحال على حال محذوفة، كقوله - ﷺ - :» رُدُّوا الساَّئِلَ ولَوْ بِظلْفٍ مُحرقٍ «