الثاني : ان قولهم :« لنخرجنّك أو لتعودُنَّ » لا وجه للفصل بين هذين القسمين على قول الخصم، لأن على قولهم خروجهم من القرية بخلق الله وعودهم إلى تلك القرية أيضاً بخلقه، وإذا كان حصول القسمين بخلق الله، لم يبق للفرق بين القسمين فائدة.
واعلم أنه لمّا تعارض استدلال الفريقين بهذه الآية وجب الرجوع إلى بقية الآيات في هذا الباب.
قوله :﴿ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾ نصب « عِلْماً » على التمييز وهو منقول من الفاعلية، تقديره : وَسِعَ علمُ ربِّنا كلَّ شيء كقوله تعالى :﴿ واشتعل الرأس شَيْباً ﴾ [ مريم : ٢٤ ] والمعنى : أحاط علمه بكل شيء.
ثم قال :﴿ عَلَى الله تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ﴾ فيما توعدوننا به، ثم دعا شعيب بعدما أيس من فلاحهم فقال :﴿ رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين ﴾.
قال ابن عباس والحسن وقتادة والسدي :« احكم واقض ».
وقال الفراء :« وأهل عمان يسمون القاضي الفاتح والفتاح؛ لأنه يفتح مواضع الحقِّ ».
وعن ابن عباس قال :« ما كنت أدري قوله ﴿ ربنا افتح بيننا وبين قومنا ﴾ حتَّى سمعت ابنة ذي يزن تقول لزوجها : أفاتحك أي : أحاكمك »، وقد تقدَّم أن الفتح الحُكْم بلغة حمير.
وقيل : بلغة مُرَاد وأنشد :[ الوافر ]

٢٥٢٤ - ألاَ أبْلِغْ بَنِي عُصْمٍ رَسُولاً بِأنِّي عَنْ فَتَاحَتِكُمْ غَنِيُّ
قال الزجاج : وجائز أن يكون قوله :﴿ افتح بيننا وبين قومنا بالحق ﴾ أي أظهر أمرنا حتى ينفتح بيننا وبني قومنا وينكشف والمراد منه أن ينزل عليهم عذاباً يدلُّ على كونهم مبطلين، وعلى كون شعيب وقومه محقين، وعلى هذا المراد بالفتح الكشف والتبيين، وكرر ﴿ بيننا وبين قومنا ﴾ بخلاف قوله :﴿ حتى يَحْكُمَ الله بَيْنَنَا ﴾ [ الأعراف : ٨٧ ] زيادة في تأكيد تمييزه، ومَنْ تبعه من قومه ثم قال :﴿ وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين ﴾ [ أي : خير الحاكمين أو خير المظهرين، وذا معنى قول من على المعنيين ]، والمراد به الثناء على الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon