قالوا : معناه استغنينا ورضينان فمعنى ﴿ كأن لم يغنوا فيها ﴾ كأن لم يعيشوا فيها مستغنين.
قال ابن الخطيب : فعلى هذا التفسير شبّه الله - تعالى - حال هؤلاء المكذبين بحال من من لم يكن قط في تلك الديار قال الشاعر :[ الطويل ]
٢٥٢٨ - كأن لم يَكُنْ بَيْنَ الحجون إلى الصفا | أنيس ولم يسمر بمكة سامر |
بَلَى نَحْنُ كُنَّا أهْلَهَا فأبَادَنَا | صُرُوفُ اللَّيَالِي والحُدُودُ العَواثِرُ |
قوله :{ الذين كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الخاسرين ﴾ كرر قوله :﴿ الذين كذبوا شعيباً ﴾ تعظيماً لذمهم وتعظيماً لما يستحقون من الجزاء، والعرب تكرر مثل هذا في التعظيم والتفخيم، فيقول الرجل لغيره :» أخوك الذي ظلمنا، أخوك الذي أخذ أموالنا، أخوك الذي هنا أعرضانا «، ولمَّا قال القوم :﴿ لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذاً لخاسرون ﴾ بيَّن الله - تعالى - أن الذين لم يتبعوه وخافوه هم الخاسرون، وقد تقدم الكلام على قوله :» فتولّى عنهم « في أن التولي بعد نزول العذاب أو قبله.
قال الكلبي :» لم يعذب قوم نبي حتى أخرج من نبيهم «.
فصل في الدلالة من الآية
دلّت الآية على أشياء : منها : أن ذلك العذابإنما حدث بتخليق فاعل مختار لا بتأثير الكواكب والطبيعة، وإلا لحصل في أتباع شعيب كما حصل للكفّار.
[ ومنها أنها تدل على أن ذلك الفاعل المختار عالم بجميع الجزئيات حتى يمكن التمييز بين المطيع والعاصي ].
ومنها : أنها تدل على المعجز العظيم في حق شعيب - عليه السلام -؛ لأن العذاب النازل من السماء لما وقع على قوم دون قوم مع كونهم مجموعين في بلدة واحدة كان ذلك من أعظم المعجزات.