فإن قلت :« أتَيْتُكَ يوم الجُمْعَةِ ضُحىً » فهذا لا يتصرّف، بل يَلْزَمُ النَّصْبُ على الظَّرْفية، وهذه العبارَةُ أحسنُ من عِبَارَةِ أبِي حيَّان حيث قال :« ظرف متصرِّفٌ إذا كان نكرةً، وغير متصرِّلإ إذا كان من يوم بعينه » ؛ لأنَّهُ تَوَهَّم [ متى ] كان معرفةً بأي نوع كان من أنواع التَّعْرِيف فإنَّهُ لا يتصرَّفُ، وليس الأمر كذلك قال تعالى :﴿ والضحى ﴾ [ الضحى : ١ ] فاستعمله مجروراً بالقسم مع أنه معروفٌ بأل، وقال تعالى :﴿ والشمس وَضُحَاهَا ﴾ [ الشمس : ١ ] جرّه بحرف القسم أيضاً مع أنَّهُ معرَّفٌ بالإضافة، وهو امتداد الشَّمْسِ وامتداد النَّهار.
ويقال : ضُحى، وضحاءُ، إذا ضَمَمْتَ قَصَرْتَ، وإذا فتحت مَدَدْتَ.
وقال بعضهم : الضُّحى بالضم والقسر لأول ارتفاع الشمس والضَّحَاءُ بالفتح والمدِّ لقوَّة ارتفاعها قبل الزَّوَالِ.
والضُّحى مُؤنَّثٌ، وشذُّوا في تصغيرِهِ على « ضُحَيٌّ » بدون تاء كعُرَيْب وأخواتها، والضَّحَاءُ أيضاً طعامُ الضُّحَى كالغّدَاء طَعَامُ وَقْتِ الغدْوَة يقال منهما : تَضَحَّى ضَحَاءً وتَغَدَّى غَدَاءً : وضَحِيَ يَضْحَى إذَا برز للشَّمْسِ وقت الضُّحَى، ثم عُبِّر بِه عن إصَابَةِ الشَّمْسِ مطلقاً، ومنه قوله :﴿ وَلاَ تضحى ﴾ [ طه : ١١٩ ] [ أي ] : لا تبرزُ للشمس.
ويقال : ليلة أضحِيَانَةٌ بضمِّ الهمزة، وضَحْيَاء بالمدِّ أي : مضيئة إضاءَةُ الضُّحى، والأضْحِيَة وجمعها : أضَاحِ، والضَّحِيَّة وجمعها ضحايا، والأضْحَاة وجمعها أضْحىً هي المَذْبُوحُ يوم النَّحْرِ، سمِّيَت بذلك لذَبْحها ذلك الوقت لقوله ﷺ :« مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ صَلاتِنَا هَذِهِ فَلْيُعِدْ »
وضواحي الشَّيء نواحيه البارزة.
قوله :« وَهُمْ يَلْعَبُونَ » حالٌ، وهذا يقوِّي أنَّ « بَيَاناً » ظرفٌ لا حال، لتتطابق الجملتان فيصيرُ في كلٍّ منهما وقت وحال، وأتى [ بالحال ] الأولى مُتَضَمِّنَة لاسم فاعلٍ؛ لأنَّهُ يدلُّ على ثباتٍ واستقرارٍ وهو مناسب للنَّوْمِ، وبالثَّانيةِ متضمِّنة لفعل؛ لأنَّهُ يدلُّ على التجدُّدِ والحدوث وهو مناسبٌ لِلَّعب والهزل.
قال النَّحَّاسُ :« وفي الصَّحاح : اللَّعِبُ معروفٌ، واللّعْبُ مثله، وقد لَعِبَ يَلْعَبُ، ويَلْعبُ مرة بعد أخرى، ورجل تَلْعَابَةٌ : كثيرٌ اللَّعبِ والتَّلْعَابُ بالفتح المصدر، وجارته لَعُوبٌ ».
وقرأ نافع وابن عامِر وابنُ كثيرٍ « أوْ » بسكون الواو والباقون بفتحها، ففي القراءة الأولى تكونُ « أو » بجملتها حرف عطف ومعناها حينئذ التقسيم.
قال ابنُ الخطيبِ : تسعتملُ على ضَرْبَيْن :
أحدهما : أن تكون بمعنى أحد الشَّيْئيْنِ كقوله : زيد أو عمرو جاءك، والمعنى : أحدهما جاء.
والثاني : أن تكون للإضْرابِ عمَّا قبلها كقولك :« أنَا أخْرُجُ » ثم تقول :« أو أقيم » أضربت عن الخروج وأثبت الإقامة، كأنك قلت : لا بل أقيمُ، فوجه هذه القراءة أنَّهُ جعل « أو » للإضراب، لا على أنَّه أبطل الأوَّلَ.
وزعم بعضهم أنَّها للإبَاحةِ والتَّخْيير، وليس بظاهرٍ.
وفي القراءة الثَّانية هي واو العَطْفِ دخلت عليها همزة الاستفهام مقدَّمة عليها لفظاً، وإنْ كانت بَعْدَهَا تقديراً عند الجمهور.
وقد عرف مذهب الزَّمَخْشَرِيِّ في ذلك، ومعنى الاستفهام هنا : التَّوبيخُ، والتَّقريعُ.
وقال أبُو شَامَة وغيره :« إنَّهُ بمعنى النَّفي ».
وكرّرت الجملة في قوله تعالى :﴿ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القرى ﴾ :« أفَأمِنوا » توكيداً لذلك، وأتي في الجُمْلَةِ الثَّانية بالاسم ظاهراً، وحقّه أن يضمر مبالغة في التَّوْكِيد.