فظاهِرُ هذه العبارة أنَّها مُعْملَة، وأنَّ اسمها ضميرُ الأمر والشَّأن، وقد صرَّحَ أبُو البقاء هنا بأنَّها معملةٌ، وأن اسمها محذوف، إلا أنَّهُ لم يقدِّر ضمير الحديث بل غيره فقال :« واسمها محذوفٌ أي : إنَّا وَجَدْنَا ». وهذا مذهب النَّحويين أعني اعتقاد إعمال المخفَّف من هذه الحروف في « أن » المفتوحة على الصَّحيح، وفي « كأن » التَّشبيهية، وأمَّا « إنْ » المخففة المكسورة فلا. وقد تقدَّم إيضاحه.
ووجدنا هنا متعدية لاثنين أولهما « أكْثَرَهُم »، والثاني « لفاسقين »، قال الزمخشريُّ : والوجود بمعنى العلم من قولك : وجدتُ زيداً ذا الحفاظ بدليل دخول « إنْ » المخفَّفة، واللاَّم الفارقة ولا يسوغ ذلك إلاَّ في المبتدأ والخبر والأفعالِ الدَّاخلة عليهما يعني أنها مختصة بالابتداء، وبالأفعال النَّاسخةِ له، وهذا مذهبُ الجُمْهُورِ، وقد تقدَّم الخلافُ عن الأخْفَشِ أنَّهُ يجوزُ على غيرها، وتقدَّم دليله على ذلك، واللاَّمُ فارقة وقيل : هي عوض من التَّشديد.
قال مَكيٌّك « ولزمت اللاَّمُ في خبرها عوضاً من التشديد والمحذوف الأوَّلِ، وقد تقدَّم أنَّ بعض الكوفيين يجعلون » إن « نافية، واللاَّم بمعنى » إلاَّ « في قوله تعالى :﴿ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ].
ومعنى فاسقين خارجين عن الطَّاعةِ، مارقين عن الدِّينِ، وقيل : ناقضين العَهْدَ.
وقوله :» لأكْثَرهُم «، و » أكْثَرهُم «، و » من بعدهم « : إنْ جعلنا هذه الضَّمائر كلَّها للأمم السَّالِفَةِ فلا اعتراضَ، وإن جعلنا الضَّمير في » لأكثرهُم « و » أكْثَرهُمْ « لعموم النَّاسِ والضَّمير في » من بعدهم « للأمم السَّالِفَةِ كانت هذه الجملة - أعني ما وجدنا - اعتراضاً كذلك قاله الزمخشريُّ، وفيه نظر؛ لأنَّهُ إذا كان الأوَّلُ عاماً ثم ذكر شيء يندرجُ فيه ما بعده وما قبله كيف يُجْعل ذلك العامُّ معترضاً بين الخاصين.
وأيضاً، فالنَّحْويُّون إنما يعرفون الاعتراض فيما اعترض به بين متلازمين، إلاَّ أنَّ أهل البيان عندهم الاعتراض أعمُّ من ذلك، حتَّى إذا أتي بشيء بين شيئين مذكورَيْنِ في قصَّةٍ واحدة سَمَّوه اعتراضاً.