وأمّا رفع « حقيقٌ » فقد تقدَّم أنَّهُ يجوز أن يكون خَبَراً مقدَّماً، ويجوز أن يكون صفةً ل « رَسُول »، وعلى هذا فيضعف أن يكون « مِنْ رب » صفةً لئلا يلزم تقديم الصفة غير الصّريحَة [ على الصَّريحة ]، فينبغي أن يكون متعلّقاً بنفس « رَسُول »، وتكون « مِنْ » لابتداء الغاية مجازاً.
ويجوز أن يكون خبراً ثانياً. ويجوز أن يكون مبتدأ وما بعده الخبر على قراءة من شددَّ الياء، وسوَّغَ الابتداء بالنكِرَةِ حينئذٍ تعلُّق الجارِّ بها.
فقد تحصَّل في رفعه أربعة أوجُهٍ، وهل هو بمعنى فاعل، أو بمعنى مفعول؟ الظَّاهِرُ أنَّهُ يحتمل الأمرين مُطْلَقاً، أعني على قراءة نَافِعٍ وقراءة غيره.
وقال الوَاحِدِيُّ نَاقِلاً عن غيره :« إنَّهُ مع قراءةِ نافع محتمل للأمرين، ومع قراءة العامَّةِ بمعنى مفعول فإنَّهُ قال :» وحقيقق على هذا القراءةِ - يعني قراءة نَافِعٍ - يجوز أن يكون بمعنى فاعل «.
قال شمرٌ :»
تقولُ العربُ : حقَّ عليَّ أن أفعل كذا «.
وقال الليثُ :»
حقَّ الشَّيء معناه وجب، ويحقُّ عليك أن تفعله، وحقيق عليَّ أنْ أفعله، فهذا بمعنى فاعلٍ « ثم قال : وقال اللَّيْثُ : وحقيقٌ بمعنى مفعول، وعلى هذا تَقُولُ : فلان محقوقٌ عليه أن يفعل.
قال العشى :[ الطويل ]

٢٥٣٧ - لَمَحْقُوقَةٌ أنْ تَسْتَجِيبِي لِصَوْتِهِ وَأنْ تَعْلَمِي أنَّ المُعَانَ مُوَفَّقْ
وقال جريرٌ :[ البسيط ]
٢٥٣٨ -........................... قَصَّرْ فَإنَّكَ بالتَّقْصيرِ مَحْقُوقُ
ثم قال :»
وحقيقٌ على هذه القراءة - يعني قراءة العامَّة - بمعنى محقوق « انتهى.
[ وقرأ أبَيٌّ »
بأن لا أقُولَ « وهذه تقوي أنَّ » على « بمعنى الباء ].
وقرأ عبدُ الله والأعمشُ »
لاّ أقُولَ « دون حرف جرّ، فاحتمل أن يكون ذلك الجارّ » على « كما هو قراءة العامَّةِ، وأن يكون الجارُّ الباء كقراءة أبيّ المتقدمة.
والحقُّ هو الثابت الدَّائِمُ، والحقيق مبالغة فيه.
قوله :»
إلاَّ الحَقَّ « هذا استثناء مفرَّغٌ، و » الحقُّ « يجوزُ أن يكون مفعولاً به، لأنَّهُ يتضمن معنى جملة، وأن يكون منصوباً على المصدر أي : القول الحق.
قوله :﴿ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ يعني العَصَا واليد ﴿ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بني إِسْرَائِيلَ ﴾ أي أطلق عنهم وخلِّهم يرجعون إلى الأرْضِ المقدَّسةِ، وكان فرعونُ قد استخدمهم في الأعمال الشَّاقَّة، فقال فرعونُ مجيباً له :﴿ قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين ﴾ والمعنى : إنْ كنت جئت من عند من أرْسَلَكَ بآيةٍ؛ فأحضرها عندي لتصحَّ دعواك.
فإن قيل قوله :﴿ قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين ﴾ جزاء واقع بين شرطين فكيف حمله؟
والجوابُ : أنَّ هذا نظير قولك : إنْ دخلت الدَّارَ فأنت طالق إن كلمت زيداً، وهاهنا المؤخر في اللَّفظ يكون مقدماً في المعنى؛ كما سبق تقريره.


الصفحة التالية
Icon