قوله :﴿ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ ﴾ : إمَّا هنا للتخيير، ويطلق عليها حرف عطف مجازاً.
قال المفسرُون :« تأدَّبوا مع موسى - عليه السلام - فكان ذلك سبب إيمانهم ».
قال الفرَّاءُ والكسائِيُّ في باب « أمّا » : و « إمّا » إذا كنت آمراً أو ناهياً أو مخبراً فهي مفتوحة، وإذا كنت مشترطاً أو شاكّاً أو مخيراً فهي مكسورةٌ، تقول في المفتوحة : إمّا اللَّه فأعْبُدْه، وأما الخمرُ فلا تَشْرَبها وأما زيد فقد خَرَجَ، فإن كنت مشترطاً فتقول : إمّا تعطينَّ زيداً فإنه يشكرك قال تعالى :﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحرب فَشَرِّدْ بِهِم ﴾ [ الأنفال : ٥٧ ]، وتقولُ في الشَّكِّ : لا أدري من قام إما زيد وإما عمرو، وتقولُ في التَّخْيير : لي في الكوفة دارٌ إما أن أسْكُنَهَا وإمَّا أن أبيعها.
والفرق بين « إمّا » إذا كانت للشكِّ وبين « أو » أنك إذا قلت :« جاءني زَيْدٌ أو عمرو » فقد يجوزُ أن تكون قد بنيت كلامك على اليقينِ ثم أدركك الشّك فقلت : أو عمرو، فصار الشك فيهما، فأوَّلُ الاسمين في « أو » يجوز أن يحسن السكوت عليه، ثم يعرض الشك فتستدرك بالاسم الآخر؛ ألا ترى أنَّكَ تَقُولُ : قام أخُوكَ وتسكت ثم تشكُّ فتقول : أو أبوك.
وإذا ذكرت « إمّا » فإنما تبني كلامك من أول الأمر على الشك، فلا يجوز أن تقول : ضربت إمَّا عبد الله وتسكت. وفي محل :﴿ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : النصب بفعلٍ مقدَّر أي : افعل إمَّا إلقاءك وإما إلقاءنا، كذا قدّره أبو حيَّان، وفيه نظر؛ لأنَّهُ لا يَفْعَلُ إلقاءهم فينبغي أن يُقَدِّر فعلاً لائقاً بذلك وهو اختر أي : اختر إمَّا إلقاءك وإمّا إلقاءنا.
وقدره مكي وأبو البقاءِ فقالا :« إمَا أن تَفْعَلَ الإلقاء ».
قال مَكِّيٌّ : كقوله :[ البسيط ]
٢٥٤٢ - قَالُوا : الرُّكُوبَ فَقُلْنَا : تِلْكَ عَادَتُنَا...............................
بنصب « الركوب » إلا أنَّهُ جعل النَّصْبَ مذهب الكوفيين.
الثاني : الرفع على خبر ابتداءٍ مضمر تقديره : أمْرُك إمَّا إلقاؤك وإما إلقاؤُنا.
الثالث : أن يكون مبتدأ خبره محذوف تقديره إمَّا لقاؤك مبدوءٌ به، وإمَّا إلقاؤنا مبدوءٌ به.
فإن قيل : كيف دخلت « أن » في قوله :﴿ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ ﴾ وسقطت من قوله :﴿ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ﴾ [ التوبة : ١٠٦ ].
فالجواب قال الفراء : دخول « أن » في « إما » في هذه الآية لأنها في موضع الأمر بالاختيار، وهي في موضع نصب كقولك : اختر ذا أو ذا، كأنَّهُم قالوا : اختر أن تلقي أو نلقي، وفي آية التَّوْبَةِ ليس فيها أمر بالتخيير؛ ألا ترى أنَّ الأمر لا يَصْلُحُ هاهنا فلذلك لم يكن فيه « أن »
وقال غيره :« إنَّما أتى هنا ب » أن « المصدرية قبل الفعل بخلاف قوله تعالى


الصفحة التالية
Icon